بقلم: الدكتور عبد الرحيم عبد الواحد
يعتبر كتاب “النظرية النزارباييفة”، وثيقة معلوماتية وبحثية حول جمهورية كازاخستان التي استقلت قبل 30 عاما عن الاتحاد السوفييتي، حيث تصدر الطبعة الثانية قريبا بعد الطبعة الأولى التي صدرت في العام 2019، ويتضمن كتاب النظرية الذي يقع في 600 صفحة من القطع التقليدي ، المبادىء التي انتهجها الرئيس الأول وزعيم الأمة نور سلطان نزارباييف في نقل بلاده من مراتب التخلف والفقر إلى مصاف الدول الرائدة اقتصاديا وانسانيا واجتماعيا وسياسيا ودوليا، حتى أصبحت نموذجا رائدا في التنمية والحداثة والنهضة القائمة على أسس قوية ساهمت في أن تحتل مكانة إقليمية ودولية متميزة في شتى المجالات.
لقَّبوه بـ [الثوري الحالم]، ووصفوه بأنه [جورج واشنطن بلاده]. ألقابٌ وألقابٌ كثيرة يحملها هذا الرجل، الذي ابتدع نظريَّة وراح يقوم بتطبيقها لينهض ببلاده من تحت الصفر، ويُحلِّق بها بعيدًا في سماء النهضة والتنمية الشاملة، وأصبح معها نموذجًا يُشار إليه بالبَنان، يمكن لأي دولة نامية أن تقتدي به. هذا هو زعيم كازاخستان ومهندس نهضتها وحامل لواء تقدُّمها نور سلطان نزارباييف، الرئيس الأول ومؤسِّس تلك الجمهوريَّة الواقعة في آسيا الوسطَى.
وربما تعجز معاجم اللغة عن وصف الحالة الكازاخيَّة، لكن في معاجم الإنجازات تبدو الحالة مختلفةً، والتجربة لا تُوصَف بالكلمات، لأنها أنتجت مفردات لغويَّة وعمليَّة جديدة فرضها الواقع، فالصورة لا تكذب، وهذا يبرر مقولة مهندسها ورئيسها عندما سُئل: [لماذا لم يتمَّ عمل تمثال لك حتى الآن؟]، فأجاب قائلًا: إنني أُفضِّل أن يقول الناس: لماذا لم يتمَّ عمل تمثال لهذا الرجل، بدلًا من أن يقولوا: لمن هذا التمثال؟
وهذه صورة معبِّرة لفِكْر هذا القائد يُجسِّدها العمل على أرض الواقع، بمعنى أن العمل هو خير تعبير وأفضل مَن يتحدَّث عن الإنسان أو الدولة.
وهنا يمكننا القول: [إن كازاخستان هي أيقونة العمل والنتائج، وهذا ما يؤكِّده واقع الحال في هذه الدولة، فالحديث عن التجربة الكازاخيَّة لا يكتمل دون البحث في العلاقة بين الدولة والقيادة، فَهُما في حالة انصهارٍ مشترك، حيث أثبت الرئيس الأول نزارباييف أنه علامةٌ فارِقةٌ في تاريخ دولته، لا بدَّ أن يقف الزمن عندها بالدراسة والتأمُّل، وذلك استنادًا إلى الكثير من المعايير الدوليَّة في التنمية المستدامة، مما ساهم في تحقيق نهضة تنمويَّة شاملة خلال 30 عامًا.
ويقدِّم هذا الكتاب نظريَّة سياسيَّة وفلسفيَّة مستقبليَّة، بل ودروسًا مستفادة لكل الدول النامية، في مجالات الاقتصاد والتنمية البشريَّة والتعليم والتقدُّم التكنولوجي والصحَّة، مما يُشكِّل نظريَّة جديدة نراها ضرورية لكل صُنَّاع القرار في مرحلة بناء الدولة العصريَّة، وإرساء قواعد انطلاقها نحو النهضة والتقدُّم، مما دفعنا إلى الكشف عن هذه التجربة بعد أن فرضت نفسها على العالم، ونجح قائدها في شق طريق اللحاق بركب الدول المتقدِّمة، عبر ترسيخ مفاهيم الدولة الصاعدة، خاصَّة عبر تبنِّي إستراتيجيتَيْ العامين 2030 و2050، وتأسيس دولة مدنيَّة متحضِّرة قابلة للاستمرار والتطوُّر، من خلال تربية الأجيال على أسس عقليَّة منطقيَّة وواقعيَّة.
وعبر سطور هذا الكتاب، سوف نتطرَّق بالبحث حول النظريَّة [النزارباييفية] بكافة تفصيلاتها وأبعادها وتأثيراتها وقواعدها وإنجازاتها على أرض الواقع، وذلك بتقديم واستعراض الفكر السياسي وأهم المساهمات الفكريَّة للزعيم الكازاخي، وخاصَّة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ومن ثمَّ استحداث نظريَّة جديدة خرجت من رحم الحقبة الشيوعيَّة قبل 30 عامًا. إنها النظريَّة [النزارباييفية] لمؤسِّسها الرئيس الأول لكازاخستان.
باختصار، يمكن القول إن صاحب النظريَّة [النزارباييفية]، رجل حقَّق المعادلة الصعبة: مواطن كازاخي + مصارع + مهندس + سياسي = رجل دولة وطنيًّا من الطراز الأول، أرسَى أسس دولة متطوِّرة، شعارُها التحديث مع الأصالة، والسرعة مع الجودة.
لذلك، فإن صفحات هذا الكتاب ليست مجرَّد سرد بياني حول كازاخستان، بل سنحاول قدر المستطاع أن تكون تفسيرًا لمعادلة مفادها أن الإنسان هو الدولة، وأن الأول لا حدود لإمكاناته، بمعنى أن الدولة لا حدود لإمكاناتها إذا كانت جزءًا منه، وهو جزء منها، ومن هنا جاء رهان القائد على الإنسان الكازاخي، فبنَى به وعلى أكتافه دولةً تستحقُّ أن أنقل وأستعرض تجربتَها ونظريَّةَ قائدِها، لتكون نبراسًا ومرجعًا ومحطة ناجحة في تاريخ شعبٍ وقائدٍ ودولةٍ.