
فى الحلقات السابقه توقفنا عند رحيل ابو بكر الصديق … وذكريات القعقاع ابن عمرو التميمى ( بطل هذه السلسله ) التى يكتبها لكم الدكتور / محمود يحيي سالم ( المأخوذه ) من كتابه الضخم ( مابعد الحبيب المصطفى ) عن دار نشر الاتحاد العربى للطباعة والنشر …
وهذه الحلقه ( تحديدا ) لها مذاق خاص جدا .. بطعم الماضى .. ارويها لكم من خلال القعقاع ( خاصة ) ان القعقاع ابن عمرو التميمى من اكثر الفرسان الذين اقتربوا من الفاروق عمر بن الخطاب … كواحد من اهم قادة جيش الاسلام وبطل من ابطال الفتوحات العظيمه فى عهد ابن الخطاب ( الفاروق عمر ) … نعم .. نعم الفتوحات العظيمه … (ولما لا ؟ ) .. وهو الذى صنع المجد للدوله الاسلاميه بفتوحاته التى شملت كامل العراق ومصر وليبيا والشام وفارس وخراسان وشرق الأناضول وجنوب أرمينية وسجستان، . اضف الى ذلك ( القدس ) .. نعم .. نعم وربى … وهذا ليس كلام محمود يحيي سالم .. انه ( التاريخ ) الذى قال ان عمر ابن الخطاب قد أدخل القدس تحت حكم المسلمين لأول مرة … ونجحت الدولة الإسلامية فى عهده من السيطره على كامل أراضي الإمبراطورية الفارسية (الساسانية) ونصف أراضي الامبراطورية البيزنطية ( تقريبا ) ….
اقترب فجر يوم من الايام .. بعد انتصار المسلمين فى معركه القادسيه .. .. وتجول القعقاع داخل ذكرياته القريبه من قلبه وعقله … وهو يعيد ماقد مضى لحظة بلحظه … حيث الصدام العسكري الذي حدث بين المسلمين والفرس في جبهة العراق نهاية عهد أبي بكر الصديق.. وبداية خلافة الفاروق عمر بن الخطاب صدام عنيف وخسائر لاحصر لها .. صدام لم يصل إلى مرحلة اللقاء العسكري ( الفاصل ) والحاسم بين كلا الطرفين، فهزيمة الفرس في معركة ( البويب ) فى رمضان عام 13 هجريا لم يخرجهم من العراق، فبقيت الفرس مسيطرة على البلاد سياسيا وعسكريا…
جيش الاسلام وصل الى مرحلة ( التعب ) الشديد وقد ادت الخسائر الى اصابة بعض الجنود ( بالاحباط ) … فسار القعقاع بين المسلمين يشد من أزرهم ويحثهم على الثبات ومواصلة القتال، قائلا : –
( أن الدبرة بعد ساعة لمن بدا القوم بتخاذل فاصبروا ساعة واحملوا فإن النصر مع الصبر فأثروا الصبر على الجزع ) ..
وابتسم القائد سعد ابن ابى وقاص بعد ان رأى حماس الجنود بعد تحفيز القعقاع لهم .. ثم قرر تنفيذ خطته واجتمع بعدد من القاده وكان الهدف هو ( رستم فرخزاد ) .. ورستم هذا هو قائد الجيش الفارسي في عهد آخر ملوك الدولة الساسانية الملك ( يزدجرد الثالث ) …. خطة نجحت نجاح باهر .. حيث استطاع القعقاع ومن معه أحداث فجوة في صفوف الجيش الفارسي .. فحمل بعض المسلمين على من يليهم من الفرس حملة واحدة واقتتلوا لساعات طويله .. وكان أول من تراجع تحت ضغط المسلمين هو ( الهرمزان ) .. والهرمزان هذا هو أحد قادة الفرس .. وهو ( حاكم الأهواز) .. تراجع امام المسلمين والجناح الذي يقوده …
.. وعلى الجانب الاخر ( القريب) هبت – فجأة – ريح عاصفة اقتلعت خيمة ( رستم) وألقت بها في النهر… و بكل شجاعه تقدم القعقاع ومن معه حتى وصلوا مكان رستم .. حيث نزل ولم يجدوا اى اثر له .. فلقد هرب .. وبعد قليل من الوقت .. رأى ( هلال بن علفة التميمي) ( بغل ) اختبأ تحته رستم فأقترب منه ( بحذر شديد ) فضربه بسيفه فقطع حباله، فوقع الحمل على رستم، فحمل عليه هلال وقتله ثم نادى المسلمين قتلت رستم ورب الكعبة .. وعندما انتشر خبر مقتل رستم عند الجيش الفارسي،. خارت عزيمتهم وضعفت قوتهم القتالية، . وأمر قائد من قادة الفرس بالانسحاب .. فهرب من استطاع من الفرس .. وهناك من اصابهم الهلع فرموا أنفسهم في النهر ووخزهم المسلمون برماحهم فغرقوا جميعا ولم ينجُ منهم أحد. .. نظر سعد بن أبي وقاص الى القعقاع وكان معه ( شراحبيل بن السمط ) واشار اليهما بان تتم ملاحقة الهاربين .. وقد أنجز القائدان ما أوكل إليهما ببراعه وشجاعه …
القعقاع يسبح فى بحر الذكريات وقد اقترب منه الفاروق عمر بن الخطاب .. وقد وضع يده على رأسه .. وقال مبتسما : –
– الى اين ذهبت ايها القعقاع ؟ .. مالى اراك شاردا ؟!!
قال القعقاع :
– كنت فى القادسيه ياامير المؤمنين … رحم الله ابا بكر .. واكرمك الله ياامير المؤمنين …
ابتسم الفاروق .. قبل ان ينصرف ويترك القعقاع وذكرياته .. وقال :
صدق ابا بكر عندما قال ( لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجل)
لاتزال كلمة عمر ابن الخطاب لها صدى قوى فى قلب وعقل القعقاع رغم مرور سنوات … وحتى لحظة ان سمع القعقاع من يقول :
مات امير المؤمنين … مات ابن الخطاب .. واهتزت المدينه .. وسيطر الحزن على المسلمين …
لقد قتله الملعون ( أبو لؤلؤة المجوسي ) ….
اقترب القعقاع من دار الفاروق عمر ابن الخطاب .. وقد عاد القعقاع الى الماضى … وهو يتذكر ايام وليالى عاشها بالقرب من الفاروق ..
حيث كان عمر ابن الخطاب من ألد أعداء الإسلام وأكثر أهل قريش أذى للمسلمين .. وكل ( المؤرخين ) اكدوا انه كان غليظ القلب تجاه المسلمين … وبلغ به الامر انه كان يعذِّب جارية له علم بإسلامها .. كان يعذبها من أول النهار حتى آخره .. وفى نهاية اليوم يتركها وهو ويقول: ( ما تركتك إلا من شدة الملل ) .. ولكن الله هدى الفاروق وانعم على قلبه بالاسلام وقد اسلم على يد رسول الاسلام … كان إسلام عمر حدثا مهما .. كتبه التاريخ الإسلامي بحروف من ذهب .. واسلام عمر ووجوده في صف المسلمين ذاد من قوتهم وأصبح لهم من يُدافع عنهم ويحميهم من أذى اهل قريش ..
يوم اسلامه .. اقترب منه عبد الله بن مسعود وقال :
( ما كنا نقدر أن نصلي عند الكعبة حتى أسلمت يا عمر ) …
القعقاع ابن عمرو التميمى يتذكر ذلك اليوم الذى صافح فيه الفاروق بعد ان اصبح اميرا للمؤمنين بعد رحيل ابو بكر الصديق .. … وقد ابتسم القعقاع وقال لعمر ابن الخطاب بعد ان رأى عمر وهو يحنو على سيدة مريضه :
جبارا فى الجاهليه .. حنان منان فى الاسلام ياابا حفص ..
وقبل ان يُدفن الفاروق … عاد القعقاع الى بداية رحلة الفاروق .. حتى نهايتها .. وهو الذى تولى الخلافة الإسلامية بعد وفاة أبي بكر الصديق في الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة 13 (هجريا ) .. واطُلق عليه ( الفاروق ) لان الله قد انعم عليه بخصال حميده ومنها .. العدل و إنصافه الناس من المظالم.. سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين وبالتالى سمى بالفاروق لتفريقه بين الحق والباطل….. والفاروق عمر ابن الخطاب مؤسس التقويم الهجري .. والتاريخ يشهد لعمر ابن الخطاب ان فى عهده نشأت الدواوين نتيجة لاتساع الدولة الإسلامية .. واهمها ( ديوان الاموال ) .. وقد وافق الفاروق على مااشار اليه ( الوليد بن هشام بن المغيرة ) بإنشاء مثل هذا الديوان لإحصاء الأموال وطريقة توزيعها.. وكان ذلك تمهيدا لإنشاء كل( الدواوين ) ..
ادار عمر ابن الخطاب الدوله الاسلاميه ( بحرفيه ) مطلقه وصدق الاديب عباس محمود العقاد عندما اطلق عليه لقب ( العبقرى ) …
ان الفاروق وضع فى عهده اسس الدوله القويه .. فاهتم بالقضاء .. فكان يتولى الفصل بين الناس، وتطبيق الحدود والأحكام لفترة .. ثم بعد اتساع الدوله وبعد الفتوحات العظيمه شرع ابن الخطاب في تعيين القضاة في البلاد .. فتولى كل من :
أبا الدرداء قضاء المدينة .. و الصحابى الجليل شريح بن الحارث بن الجهم قضاء الكوفة .. وعثمان بن أبي العاص قضاء مصر، و العظيم الصحابى ابا موسى الأشعري قضاء البصرة..
وفى عهده كان الامن والامان .. فاهتم بالشرطه .. و( بالمناسبه .. اقول للقارئ العزيز ) ان عمر ابن الخطاب هو اول من أدخل نظام ( العسس) للتجول والمراقبة ليلا لدعم اى قاضى من القضاه في إثبات التهم وتنفيذ الأحكام ضد المذنبين.. وقد اصبح فيما بعد هذا النظام يسمى (الشرطة) ، ويتولاها صاحب الشرطة .. وأول من أسندت إليه هذه المهمة هو (عبد الله بن مسعود) فهو أول شرطى في الإسلام او اول ( عساس ) …
لن استطيع كتابة اكثر من تلك السطور عن الخليفه العادل الفاروق عمر ابن الخطاب .. حتى لا ( احرق ) كتابى الضخم الذى يحمل عنوان ( مابعد الحبيب المصطفى ) وكنت قد خصصت فى هذا الكتاب مايقرب من ثلاثة فصول للفاروق عمر ابن الخطاب .. وان كان الخليفه عثمان بن عفان الاكثر حظا .. فلقد خصصت له خمسة فصول .. الا ان الفاروق عمر كانت فصول الكتاب التى خصصت له تتحدث عن اعظم اهل العدل فى التاريخ الاسلامى .. انه ابن الخطاب .. الفاروق عمر ( ثانى الخلفاء الراشدين ) وهو بن الخطاب العدوي القرشي .. أحد العشرة المبشرين بالجنة كما جاء فى التاريخ ( . ) ..
وصل الى الخلافه بدعم كامل من ابا بكر وكل من :
عبد الرحمن بن عوف .. و طلحة بن عبيد الله ..
ولكن الحق يقال .. ومن اجل التاريخ ومن اجل الشباب الواعد .. اقول بكل صدق وامانه .. ان لعثمان ابن عفان دورا كبيرا فى اختيار ابن الخطاب .. فلقد استدعاه ابو بكر الصديق وهو على فراش الموت … وبعد استدعاء عبد الرحمن ابن عوف وطلحه بن عبيد الله .. قال ابوبكر لعثمان :
– اكتب ياعثمان …… بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين …
أما بعد… ( لكن أغمي عليه في تلك اللحظة قبل أن يكمل كلامه) فكتب عثمان ( أما بعد فإني قد استخلفتُ عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيراً ) .. . . وعندما استيقظ أبو بكر من إغماءته قال لعثمان: ( اقرأ علي ) .. فقرأ عثمان .. وعندما انتهى (كبر) أبو بكر وقال ( أراك خفت أن يختلف الناس إن مُت في غشيتي؟.. ) قال عثمان – نعم – فقال ( جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله )
رحم الله ابا بكر ورحم ابن الخطاب وابن عفان ..
سقطت دمعتين حزينتين من عين القعقاع ابن عمرو التميمى وهو يودع ابن الخطاب قبل دفنه بلحظات .. وقال
الى الجنه . الى الجنه ان شاء الله ياعمر .. الى محمد وابا بكر … اللهم الحقنى بهم … اللهم انت ربى لااله الا انت .. اشهد .. اشهد ان لااله الا انت ياالله وان محمدا رسول الله …..
مااروع كلماتك ياقعقاع .. وما اروع دموع الرجال .. دموع الايمان والصدق والرحمه …. مااروعك يااسلام .. يادين الموده والاخاء والنبل والسلام .. مااروع الاديان السماويه الثلاثه ( اليهوديه والمسيحيه والاسلام ) وها انا اسمعها وهى تقول بصوت واحد ( الله … الله .. الله )