
عبدالرحيم عبدالباري
مصر ترسّخ ريادتها العالمية في علاج الهيموفيليا: إنجازات نوعية ورؤية مستقبلية مستدامة
في مشهد يعكس التقدم الكبير الذي أحرزته مصر في مجال الرعاية الصحية المتخصصة، أكد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، أن الدولة تسير بخطى واثقة نحو ترسيخ مكانتها كدولة رائدة عالميًا في علاج مرضى الهيموفيليا، من خلال تطبيق نهج علاجي وقائي يستند إلى البيانات ويضع المريض في صميم الاهتمام، جاء ذلك خلال كلمته في الاحتفال باليوم العالمي للهيموفيليا، الذي أقيم بمستشفى المقطم للتأمين الصحي، بحضور لفيف من المسؤولين والشركاء المحليين والدوليين.
بدأ الدكتور خالد عبدالغفار كلمته بتقديم الشكر والامتنان للأطقم الطبية العاملة في الهيئة العامة للتأمين الصحي، وكذلك لجمعية أصدقاء الهيموفيليا والمجتمع المدني والشركاء الدوليين الذين ساهموا في دعم مرضى الهيموفيليا، وأشاد بدور الطبيب المصري الذي أثبت كفاءته العالية في تطبيق منظومة العلاج الوقائي، وأشار إلى أن هذا الجهد الجماعي أثمر عن نتائج إيجابية ملموسة في حياة المرضى، سواء من حيث تقليل المضاعفات أو رفع جودة الحياة، وهو ما يعكس تطور منظومة الرعاية الصحية في مصر.
وأكد الوزير على أهمية السجل الوطني لمرضى الهيموفيليا، الذي يمثل خطوة استراتيجية نحو بناء قاعدة بيانات دقيقة، تساعد في التخطيط السليم للعلاج الوقائي. كما أشار إلى التوسع في إنشاء مراكز تميز وتدريب الكوادر الطبية والتمريضية، مما ساهم في إحداث تحول حقيقي في حياة الأطفال المصابين بالهيموفيليا، حيث أصبح بإمكانهم ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، بما في ذلك ممارسة الرياضة، وهو ما يبرز الأثر النفسي والاجتماعي الهام للعلاج
وخلال الاحتفال، عرض الوزير إحصائيات دقيقة أظهرت نتائج مذهلة خلال عامين فقط، حيث ارتفعت نسبة الأطفال الذين يتلقون العلاج الوقائي من 20% إلى 80%. كما تم تقليل معدلات النزيف بنسبة تفوق 80%، وتقليل مضاعفات المفاصل ونزيف المخ بنسبة وصلت إلى 85%، ومن الإنجازات اللافتة أيضًا، تقليل أيام الحجز بالمستشفيات بنسبة 95%، وهو ما أسهم بشكل مباشر في تخفيف الضغط على البنية التحتية للمؤسسات الصحية وخفض التكاليف الاقتصادية للرعاية الصحية.
في ختام كلمته، شدد الدكتور عبدالغفار على أن العلاج الوقائي لا يقتصر على كونه حلاً طبيًا، بل هو أسلوب حياة يغير الواقع اليومي للمريض، ويخفف العبء الاقتصادي عن الدولة. كما أكد على التوسع في التغطية العلاجية، وتسريع وتيرة التحول الرقمي، وتحقيق التكامل بين الرعاية الطبية والبيانات، بما يضمن جعل مصر نموذجًا عالميًا يحتذى به في علاج الهيموفيليا، مشيرًا إلى أن الرؤية المستقبلية تسعى لتوفير خدمات متكاملة قائمة على الابتكار والاستدامة.
من جانبه، أكد الدكتور أحمد مصطفى، رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحي، على أن مرضى الهيموفيليا يحظون باهتمام كبير من القيادة السياسية، وهو ما يظهر جليًا في عملية التطوير المستمرة لمستشفيات التأمين الصحي، مثل مستشفى أطفال مصر الذي شهد مؤخراً استحداث قسم قسطرة القلب. وأوضح أن الدعم الكامل المقدم لهؤلاء المرضى يتماشى مع رؤية «مصر 2030»، والتي تضع في صلب أهدافها ضمان الرعاية الصحية الشاملة والمستدامة لكل المواطنين، وخاصة الأطفال.
وعلى هامش الاحتفالية، تم توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة العامة للتأمين الصحي وشركة روش مصر، لتعزيز استدامة العلاج الوقائي لمرضى الهيموفيليا. وأكد الوزير أن هذه الشراكة تمثل نقلة نوعية في سبيل تحسين جودة حياة المرضى، من خلال دعم البنية التحتية وتطوير المنظومة الرقمية، وتعزيز انخفاض معدلات النزيف التي وصلت بالفعل إلى نسبة 81%، وتهدف الاتفاقية إلى جعل المراكز الطبية في مصر مرجعية إقليمية لعلاج الهيموفيليا.
أوضح الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن مذكرة التفاهم ترتكز على تطوير أربعة مراكز تميز في القاهرة، وشبرا، والزقازيق، وأسيوط، لتكون نواة لمنظومة علاجية متكاملة، وتشمل الاتفاقية تجهيز غرف الحقن بأحدث التقنيات، وتطوير وحدات العلاج الطبيعي، وتوفير بيئة علاجية مناسبة للأطفال، إلى جانب دعم البنية التحتية الرقمية وتوفير أنظمة بيانات حديثة تدعم البحث العلمي وتحليل الأداء وتحسين القرارات الصحية، وهو ما يعزز من فعالية النظام الصحي.
كما تنص المذكرة على تطوير نظام الطوارئ الذكي، وتدريب الفرق الطبية والصيادلة على أحدث بروتوكولات العلاج، وتنفيذ برامج توعية للأسر لتعزيز الالتزام بالعلاج. وشملت المبادرات كذلك دعم الأبحاث والدراسات السنوية حول فعالية العلاج الوقائي، إلى جانب تسهيل الوصول للعلاج من خلال توفير وسائل نقل مبردة للأدوية وإمكانية التوصيل المباشر للمنازل. وتم التوقيع على المذكرة بين الدكتور أحمد مصطفى والدكتور زياد الأحول، ممثلاً عن شركة روش، ما يعكس التكامل بين القطاعين الحكومي والخاص لخدمة المرضى.
في ظل الجهود الكبيرة والتعاون المثمر بين الجهات الحكومية والخاصة، تواصل مصر ترسيخ مكانتها كدولة رائدة في علاج مرضى الهيموفيليا. ويعكس ما تم إنجازه من خطوات متقدمة في العلاج الوقائي والرقمنة وتدريب الكوادر الطبية التزامًا حقيقيًا بتحقيق رؤية صحية متكاملة ومستدامة. إن ما تحقق ليس فقط إنجازًا طبيًا، بل هو إنجاز إنساني يعيد الأمل لمئات الأسر، ويبرهن على أن الإرادة السياسية والعلمية قادرة على صنع الفارق وتغيير واقع المرضى نحو الأفضل.