
في تصريح تاريخي هزّ أركان السياسة الدولية، قال نبيل أبو الياسين، رئيس منظمة “الحق الدولية” لحقوق الإنسان، المحلل البارز الباحث في الشأن العربي والدولي: إن المشهد الذي أعقب الكشف عن خطة ترامب المزعومة للسلام يشبه ساحة معركة للأفكار والإرادات، حيث تتصادم الآمال الواهنة مع مخاوف مُبرَّرة، وتتقاطع المصالح مع المبادئ في أخطر اختبار لإرادة المجتمع الدولي. وأضاف أبو الياسين، في بيانٍ حمل كلَّ ألم الضمير العالمي وأمل المظلومين، أن غزة التي تئن تحت وطأة المجازر والتجويع، باتت محط أنظار لعبة دولية كبرى، قد تُقدِّمها كقربان على مذبح التسويات السياسية، مؤكدًا أن دماء آلاف الشهداء والأطفال تضع كلَّ من يقف وراء هذه الطاولة المستديرة أمام مسؤولياته التاريخية أمام شعوب لن تنسى.
الترحيب العربي والدولي: صمت القطيع أم حكمة الواقعية؟
أشار أبو الياسين إلى أن الموجة العريضة من الترحيب الرسمي العربي والإسلامي والدولي بالخطة، من تركيا والسعودية ومصر وقطر والإمارات والأردن وباكستان وحتى أوروبا، لا يمكن قراءتها بمعزل عن منطق الضغوط والرهانات الجيوسياسية. ولفت إلى أن هذا الترحيب “المبهم” في بعض تفاصيله، يعكس رغبةً جامحةً في إنهاء هذه الحرب التي أنهكت الجميع، لكنه يثير تساؤلاتٍ كبيرةً حول الثمن الذي ستدفعه القضية الفلسطينية، وما إذا كانت هذه الحكومات تضع كل بيضها في سلةٍ قد تكون مثقوبة.
ألهوة أم خطة؟ الاحتفاء بالورقة ونسيان الجريمة
ولفت أبو الياسين إلى المفارقة الكارثية التي تعيشها الساحة الدولية، قائلًا: “لم يعد أحد يتحدث عن جرائم إسرائيل المستمرة، بل تحوّل الجميع إلى مناقشة صك البراءة والغفران المتمثل في خطة ترامب. هل جاءت هذه الخطة لتلهي الرأي العام عن جريمة الإبادة والتجويع التي لا تزال تتواصل في غزة؟”. وأضاف: “إن احتفاء إسرائيل وصحفها العبرية بالخطة ليس أمرًا طبيعيًا، بل هو تأكيد قاطع على أنها تخدم مصالح الاحتلال على حساب الدم والشعب الفلسطيني. هنا نقولها كلمة حق: صناع الموت يتحدثون عن السلام!”.
ونـوّه إلى أنه في اللحظات ذاتها التي يحتفي فيها العالم بالخطة، كانت مصادر في مستشفيات غزة تعلن عن سقوط 43 شهيدًا بنيران جيش الاحتلال منذ فجر اليوم، بينهم 18 من منتظري المساعدات وسط القطاع، مؤكدًا أن هذه الجثث الطاهرة هي الرد الحقيقي على هرولة المترحبين، وهي الصورة التي تفضح الزيف كله.
الاعتذار الإسرائيلي لقطر: ورقة في لعبة أكبر
نوّه المحلل أبو الياسين إلى أن اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيلي لقطر، والذي جاء بعد اتصال مباشر من الرئيس ترامب، ليس مجرد ردّة فعل على انتهاك السيادة. ووضح أن هذا الاعتذار يشكّل جزءًا من “تلميع” الصورة الإسرائيلية وتهيئة الأجواء لتمرير الخطة، مؤكدًا أنه رسالة مطمئنة للوسطاء بأن التطبيع سيكون سيد الموقف، حتى لو كان على حساب الثوابت.
الرفض الحذر والتحذيرات: الصوت الذي لا يُسمع
أكد أبو الياسين أن هناك صوتًا آخر، وإن كان خافتًا في الأوساط الرسمية، إلا أنه يعلو في الشارع وفي تحليلات بعض الخبراء. وأشار إلى أن تحذيرات بعض السياسيين الأوروبيين، مثل الوزيرة الإسبانية يولاندا دياز، والتي وصفت الخطة بأنها “فرض وليس سلامًا”، تعبّر عن حقيقة خطيرة: وهي أن الخطة وُضعت بمعزل عن الفلسطينيين ومؤسساتهم. وأضاف أن انتقادات وزير بريطاني وصف بعض التصريحات الإسرائيلية بأنها “تطهير عرقي”، تؤكد أن جوهر الصراع – وهو الاحتلال – لا تزال الخطة تتجاهله عمدًا.
ماذا في التفاصيل؟ خطة تكرّس الهيمنة
ولفت أبو الياسين إلى أن قراءة متأنية لبنود الخطة العشرين التي تسربت، تكشف عن تحيز صارخ لإسرائيل. ووضح أنها تشترط نزع سلاح حماس دون ضمانات حقيقية لإنهاء الاحتلال، وتتجاهل حق العودة وتقرير المصير، بل وتفرض شروطًا تعجيزية على السلطة الفلسطينية، مثل سحب جميع الشكاوى من المحاكم الدولية، وهو ما وصفه بـ “صفعة للعدالة الدولية وإهانة لكرامة الضحايا”.
الكارثة الإنسانية: الخلفية المنسية
وأكد أبو الياسين أن أي حديث عن السلام يظل هزيلًا ومشوّهًا طالما ظلت الخلفية قائمة: آلاف الشهداء بفعل المجاعة، ومئات الآلاف من الأطفال محرومين من التعليم والصحة، وواقع مأساوي يوصف بـ “الإبادة الجماعية” بحسب تقارير دولية. وتساءل: “أي سلام هذا الذي يُبنى على جماجم الأطفال وأشلاء المشردين؟”.
ودكّ أبو الياسين بيانه الصحفي قائلًا: لا يمكن للشعوب الحرة في العالم أن تقبل بهذه المهزلة التي تُسمى “سلامًا”.. إنها ليست خطة سلام، بل هي مخطط خبيث لتكريس الاحتلال وتصفية القضية تحت مسمّى ‘الحل النهائي’ السياسي. إن الدماء التي سالت في غزة، والأطفال الذين قضوا نحبهم جوعًا، والأمهات اللواتي فقدن أبناءهن تحت الأنقاض، سيظلن شاهدات عيان على كل من تآمر أو صمت أو رحّب بمسخ الكرامة هذا. إن الطريق الوحيد نحو السلام العادل والدائم يمر عبر الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وليس عبر إنذارات ترامب الأخيرة التي تشبه تهديدات الإجرام المنظم. إن التاريخ سيتذكر أن شعوبًا بكاملها وقفت في الميادين وقالت “كفى”، وسيحاسب كل من وقف في الجانب الخطأ من التاريخ. إن غزة المقاومة، وفلسطين الصامدة، ستنتصر في النهاية، لأن الحق لا يُنسى، والباطل – مهما بلعت قوته – إلى زوال.