عبدالرحيم عبدالباري
في زمن تتسارع فيه الخطوات نحو تطوير المنظومات الصحية وتحقيق الأمن الدوائي والبيولوجي، تأتي مبادرة وزارة الصحة والسكان بقيادة الدكتور خالد عبدالغفار لتوحيد أسعار الدم ومشتقاته، وضبط حملات التبرع، كأحد أهم القرارات التنظيمية لحماية حياة الملايين. فالدم ليس مجرد سائل أحمر يضخ في العروق، بل هو شريان الأمان بين الإنسان وأخيه، وضمانة لبقاء المنظومة الطبية متماسكة في وجه الأزمات والطوارئ.
ترأس الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، اجتماع مجلس مراقبة عمليات الدم في خطوة وصفت بأنها “نقطة تحول” في ضبط وتوحيد منظومة الدم على مستوى الجمهورية. الاجتماع لم يكن تقليدياً، بل حمل بين أوراقه خطة إصلاح شاملة تضع نصب أعينها توحيد الأسعار وضبط جودة الخدمة، بما يضمن العدالة بين المواطنين ويمنع أي استغلال تجاري في هذا المجال الحيوي. الهدف الأسمى كان واضحاً: أن تظل حياة المصريين فوق أي اعتبار مادي أو تفاوت إداري.
ناقش الاجتماع، بحضور قيادات الوزارة وممثلي الجهات المعنية، سبل تعزيز الرقابة على مراكز الدم وتطوير آليات التفتيش، لضمان مطابقة جميع المراكز للاشتراطات والمعايير الصحية المعتمدة. كما شدد الوزير على ضرورة توحيد أساليب العمل والمواد المستخدمة داخل هذه المراكز، لتكون الجودة واحدة من الإسكندرية إلى أسوان. ومن بين المقترحات الجوهرية، إنشاء قاعدة بيانات مركزية إلكترونية، ترتبط بهيئة الدواء وهيئة الشراء الموحد، لتتبع عمليات جمع وصرف الدم، وهي نقلة نوعية في تاريخ إدارة هذا الملف الحساس.
أوضح الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن الوزير أكد على أهمية الحفاظ على التوازن بين الرقابة والبحث العلمي، فالتقدم الطبي لا ينفصل عن التنظيم الإداري. كما تناول الاجتماع مراقبة أسعار أكياس الدم في المستشفيات الخاصة، ووضع آليات تمنع التفاوت أو المبالغة في الأسعار. وتم التشديد على أن حملات التبرع بالدم يجب أن تلتزم بالميثاق الأخلاقي، وأن يكون شعارها الدائم “تبرعك حياة”، لا مجال فيها للاستغلال أو الترويج التجاري.
وفي إطار تعزيز الأمان الحيوي، تابع الوزير تطبيق فحص الحمض النووي المعروف باسم (NAT) في القطاعين الحكومي والخاص، لما يمثله من ضمان حقيقي لسلامة الدم وخلوه من الأمراض المعدية. ووجّه بوضع خطة زمنية واضحة للوصول إلى تنفيذ هذا الفحص بنسبة 100% بحلول عام 2027، مع نظام رقابي صارم لمتابعة التنفيذ. وتأتي هذه الخطوة لتغلق باب المخاطر الصحية، وتضع مصر في مصاف الدول المتقدمة في مجال مأمونية نقل الدم.
كما أولى الدكتور خالد عبدالغفار اهتماماً كبيراً بملف ميكنة بنوك الدم، باعتباره أحد أعمدة التحول الرقمي في القطاع الصحي. وقد تم عرض منظومة إلكترونية متكاملة تربط جميع بنوك الدم على مستوى الجمهورية، بغض النظر عن تبعيتها الإدارية، مما يسهل رصد المخزون الاستراتيجي والتوزيع السريع عند الحاجة. ووجّه الوزير باستكمال عملية الميكنة بنسبة 100% بنهاية عام 2026، وربطها بغرفة الطوارئ والأزمات لضمان سرعة الاستجابة في الحالات الحرجة.
وفي ختام الاجتماع، تمت مناقشة معايير اعتماد بنوك الدم من الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية، لتأهيلها للانضمام إلى منظومة التأمين الصحي الشامل، وهو ما يعزز مفهوم العدالة الصحية وجودة الخدمة المقدمة للمواطنين. وتؤكد هذه الخطوة أن وزارة الصحة لا تكتفي بالإصلاح الإداري، بل تسعى إلى بناء نظام مستدام يضع المريض في قلب الاهتمام. إن ما تم في هذا الاجتماع هو ترجمة عملية لسياسة الدولة المصرية في بناء قطاع صحي متكامل، يعتمد على الدقة والشفافية والمواطنة الصحية.
هكذا تمضي مصر بخطى واثقة نحو منظومة دم وطنية موحدة، تكون فيها كل قطرة دم مؤمنة ومراقبة وموثقة. فحين تتوحد الجهود ويُدار الملف بعلم ورؤية، تصبح حياة الإنسان أغلى ما يُصان، وتتحول منظومة الصحة من مجرد خدمات إلى رسالة إنسانية تحملها الدولة بكل مسؤولية. فسلامة الدم هي سلامة الأمة، ومصر اليوم ترسم بجهود أبنائها خريطة جديدة للأمان الصحي والإدارة الحكيمة.