
حسين السمنودي
في إطار المسؤولية المجتمعية التي تضطلع بها وزارة الأوقاف المصرية، وبناءً على توجيهات معالي وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري، نظمت مديرية أوقاف القاهرة، يوم السبت 26 أكتوبر 2024، ندوة توعوية تحت عنوان “ختان الإناث”. تأتي هذه الندوة كجزء من تعاون الوزارة مع المؤسسات القضائية للتصدي للعادات السلبية التي تضر بالمجتمع وتتنافى مع حقوق الإنسان. يهدف هذا التعاون إلى تعزيز الوعي المجتمعي عبر تزويد الأئمة والواعظات بمعلومات دقيقة حول الأبعاد القانونية، الصحية، والنفسية المتعلقة بقضية ختان الإناث.
الفعالية الافتتاحية للندوة: تواصل حيوي بين الأئمة والقضاة
أقيمت الفعالية في محكمة شمال القاهرة الابتدائية، وافتُتحت بالنشيد الوطني، إيذانًا ببداية يوم حافل بالنقاشات المثمرة. وألقى المستشار ياسر محمود حسين، رئيس محكمة شمال القاهرة الابتدائية، كلمة افتتاحية رحب فيها بالحضور من الأئمة والواعظات، مشيرًا إلى الدور التثقيفي الذي تلعبه هذه اللقاءات المشتركة في تكوين مجتمع واعٍ بحقوقه وواجباته. أكد المستشار ياسر أن القضاء المصري يعمل جنبًا إلى جنب مع وزارة الأوقاف لحماية حقوق الأفراد وخاصة النساء والفتيات، وأن قضايا مثل ختان الإناث تتطلب وعيًا مجتمعيًا مشتركًا لمحاربتها.
الجوانب القانونية والطبية: محاضرة شاملة للدكتور طه محمد أمين بر
كان من أبرز الفعاليات في الندوة المحاضرة التي ألقاها الدكتور طه محمد أمين بر، مدير عام دار التشريح وعيادة العنف ضد المرأة. تضمنت المحاضرة توضيحًا شاملًا للأضرار الصحية والنفسية التي يتعرض لها ضحايا ختان الإناث، حيث أشار الدكتور طه إلى أن هذه الممارسة ليست فقط جريمة بحق الفتيات، بل إنها تترك آثارًا نفسية وصحية سلبية تمتد طيلة حياة الفتاة. ولفت الدكتور طه إلى أن ختان الإناث يسبب مشاكل جسدية مثل الالتهابات المزمنة وصعوبة التئام الجروح، بالإضافة إلى أنه قد يؤدي إلى مضاعفات عند الولادة ويسبب أحيانًا حالات من الصدمة النفسية.
من الناحية القانونية، أكد الدكتور طه أن القانون المصري يعاقب بصرامة كل من يشارك أو يساهم في إجراء عمليات ختان الإناث، مشددًا على أن هذه العقوبات تهدف إلى حماية المجتمع من هذه الممارسات التي تنتهك حقوق الطفل وتتنافى مع الاتفاقيات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان. كما أشار إلى ضرورة تعاون مختلف الجهات لتطبيق القانون بفعالية ومنع ارتكاب هذه الجرائم، عبر تقديم التوعية اللازمة للأسر حول المخاطر الكامنة وراء هذه العادات.
الموقف الديني: كلمة توجيهية لفضيلة الشيخ محمد محمود العدل
تضمنت الندوة كلمة إرشادية لفضيلة الشيخ محمد محمود العدل، إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة، والذي تناول الجانب الديني في قضية ختان الإناث. أوضح فضيلته أن الإسلام دين الرحمة والكرامة الإنسانية، وأنه لم يُشرع أي ممارسة تتسبب في الأذى للإنسان، خاصة الفتيات اللواتي يجب حمايتهن من أي ضرر. وتحدث الشيخ العدل عن الفهم الخاطئ لبعض العادات التي تُنسب للدين وهي ليست منه، مشيرًا إلى ضرورة تصحيح هذه المفاهيم المغلوطة في المجتمع. كما دعا الحاضرين، خاصة من الأئمة والخطباء، إلى ضرورة نشر التوعية بأهمية الحفاظ على كرامة المرأة ومحاربة أي عادات تؤدي إلى إلحاق الأذى بها. أكد الشيخ العدل أن دور رجال الدين لا يقتصر على نشر المعرفة الدينية فقط، بل يتعداه ليشمل توعية المجتمع وتوجيهه نحو القيم السليمة والممارسات الصحية.
إسهامات الدكتور خالد صلاح الدين في قيادة الجهود التوعوية
يأتي هذا النشاط التوعوي ضمن سلسلة من الجهود التي يقودها الدكتور خالد صلاح الدين، وكيل وزارة الأوقاف ومدير مديرية أوقاف القاهرة، الذي يحرص باستمرار على توجيه الأئمة والخطباء للانخراط في الأنشطة التثقيفية التي تعزز من دورهم المجتمعي. يؤمن الدكتور صلاح الدين بأن الأوقاف ليست مجرد جهة دينية، بل هي شريك رئيسي في نشر التوعية حول قضايا تمس صحة وسلامة أفراد المجتمع، مثل قضية ختان الإناث. وقد بذل الدكتور صلاح الدين جهدًا كبيرًا في دعم هذه الندوات والمشاركة الفعّالة للأئمة والواعظات بها، مما ساهم في بناء قاعدة معرفية قوية تساعدهم على تناول القضايا الشائكة ومناقشتها بموضوعية.
أثر هذه الندوة على الوعي المجتمعي والتكامل بين الدين والقانون
تُعد هذه الندوة خطوة حيوية نحو بناء مجتمع واعٍ ومثقف حول قضية ختان الإناث، حيث تجمع بين التوعية الدينية والنقاش القانوني، مما يخلق رؤية شاملة حول الأبعاد المختلفة لهذه القضية. وتسعى وزارة الأوقاف من خلال هذه الجهود إلى تأكيد التزامها بالمسؤولية المجتمعية، حيث تهدف إلى التصدي لمثل هذه الممارسات التي تتنافى مع حقوق الإنسان وكرامته.
كما تعكس هذه الندوة التعاون الفعّال بين وزارة الأوقاف والسلطة القضائية، حيث يُبرز هذا التكامل أهمية توحيد الجهود في مواجهة القضايا التي تتطلب تعديلًا في سلوك المجتمع وتغييرًا في بعض العادات التي تؤثر سلبًا على الأجيال القادمة. من خلال هذه الندوات، تأمل الوزارة في بناء أجيال واعية ومدركة لمخاطر العادات السلبية، وقادرة على اتخاذ قرارات تتماشى مع القيم الإنسانية والدينية.