
كثيرًا ما كنا نقرأ عن الرأسمالية دون أن ندرك ما تحويه تلك الكلمة، وكثيرًا ما كنا نرى أشخاصًـا يشار إليهم على أنهم رأسماليون؛ حتى وصل الأمر أن اعتقدنا أنها سُبة وشائبة، وما أن شبنا حتى علمنا أنها دلالة لنظـام اقتصادي معين كأي نظام خلا قبله، لكنه النظام الأكثر تأثيرًا وسطوةً على محيط الأفراد، ويمكن القول أنه تعدى كونه نظام اقتصادي، بل وصل مداه إلى سلوك الإنسان، وحياته العاطفية، وعلاقته بأقرانه.
فأصبحت العلاقات العاطفية ترتبط ارتباطًا تامـًا بسوق المال، بعد أن كانت مرتبطة بالحالة الشعورية للأفراد، فمن المعروف أن الحب لا يولد إلا عن تفاعل بين رجل وامرأة، يتعلق أحدهما بالآخر، واليوم ومن خلال وسائل الإعلام المختلفة أصبح الحب سلعة يمكن اقتناؤها، وظهر ذلك جليـًا من خلال إدغام الحب في بوتقة التجارة والكسب، فتشعر اليوم أنك لن تستطيع أن تقترن بتلك الفتاة التي تحب إلا إذا امتلكت قصرًا فسيحًا، وسبع سيارات فارهة، وكلب شيواوا مكسيكي، بالإضافة إلى ذلك المزاد العلني الذي ينتظرك في ردهة بيتها، حيث المنافسة على الظفر بسيدة الحسن في أجواء تسودها النرجسية، والمنفعة الشخصية، دون الإكتراث للفطرة الإنسانية، ومحاولة تغميد وطمس النصوص الدينية التي تساهم في إنصـاف الرجل والرفق به.
ومع تطور الرأسمالية في عصرنا الراهن، باتت العلاقة العاطفية مرهونةً بالمنفعة، وباتت المرأة تنظر إلى الرجل على أنه وسيلةً لتحقيق أمانها المادي الذي فقدته في بيت أبيها؛ مما يؤدي إلى تحول العلاقة الزوجية لعلاقةٍ وخمةٍ متحجرةٍ، يترتب عليها إنجاب أطفال فاقدين للهوية، لا ينتمون إلا لفكرة المصلحة الشخصية.
فالرأسمالية التي رسخت تمجيد المصالح الشخصية والسعي وراء الربح المطلق هي نفسها التي أنتجت جيلاً لا يكترث لتكوين أسرة مستقرة، وأصبحت العلاقات العاطفية العابرة ملاذًا آمنــًا لجل الشباب الذين فقدوا الأمل في الزواج الرسمي؛ بسبب الأعباء الباهظة والقيود المالية المبالغ فيها، فإشباع الرغبة الجنسية في عالم تسوده الأثرة والمصلحة أصبح أمرًا سهلاً سائغــًا لكل بالغ عاقل.
وما يثير الدهشة حقـًا أن تجد أدوات التسلية في هذا العالم متواطئة في استمرار تلك الفكرة المبتذلة، فالسينما العالمية نجحت بامتياز وتضلع في إظهار المرأة “المومس” على أنها مجرد سيدة ناجحة، تبتغي الرأفة والحنو من الرجال، وإبراز الرجل الداعر متعدد العلاقات الجنسية على أنه شخصية أسطورية “سوبر مان”، حتى لا يشعر هذا الجيل بشيء من الندم والحسرة على أفعـاله.