حسين السمنودي
الزواج، تلك العلاقة التي تميز حياة البشر، كان في الأصل رمزاً للمحبة والاحترام بين الطرفين، وبناءً على المودة والرحمة كما أشار القرآن الكريم. ولكن هل لا يزال الزواج يسير بهذا النهج النقي؟ الإعلامي عمرو فتحي يرى أن الزواج قد بات أشبه بعبء ثقيل على كاهل المرأة والرجل على حد سواء، وأن التغيرات التي طرأت على حياتنا قد خلقت واقعًا جديدًا يتطلب إعادة تقييم جذري لأدوار الشريكين.
أعباء الحياة ومسؤوليات المرأة
لقد أصبحت المرأة العصرية تعاني من تحديات كبيرة لتحقيق التوازن بين المنزل والعمل. فهي مطالبة بالنجاح في حياتها المهنية وتطوير ذاتها، وفي نفس الوقت، عليها أن تتحمل المسؤوليات الأسرية من تربية الأبناء، المذاكرة معهم، العناية بنظافة المنزل، وتحضير الطعام. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها، تتعرض المرأة غالباً لضغوط مجتمعية تجعلها تشعر بأنها مقصرة، سواء في واجباتها تجاه أسرتها أو في توازنها النفسي.
ما يفاقم من هذه المعاناة هو المتطلبات الاجتماعية التي تفرض على المرأة أن تكون دائماً في قمة نشاطها، مشرقة وجميلة، حتى لو كان هذا يضغط على قدراتها النفسية. إن التوقعات التي تُلقى على كاهل المرأة في بعض الأحيان تبدو غير واقعية، وكأنها مطالبة بتأدية دور “البرنسيس” بعد يوم مليء بالأعباء. فهل يُمكن لأي إنسان أن يحتمل هذا القدر من الضغوط دون أن يشعر بالإرهاق؟
الأسرة وضغوط البيت والأطفال
المرأة ليست وحدها في هذا الصراع؛ الأبناء بدورهم يمثلون تحديًا كبيرًا للأم، حيث يجب عليها أن تكون مستعدة لمتابعة شؤونهم الأكاديمية والاجتماعية، وتوفير الرعاية النفسية لهم. وتبرز هنا معضلة أخرى، حيث تعاني العديد من الأمهات من شعور الذنب عند عدم القدرة على توفير الوقت الكافي لأطفالهن. بين واجبات العمل والرعاية المنزلية، قد تُشعر الأم بأنها دائماً بين مطرقة ومتطلبات الأبناء وسندان المسؤوليات المهنية.
ولكن يظل التساؤل المطروح: أين دور الرجل في هذه المعادلة؟ هل يُترك الأمر للمرأة وحدها لتحمل هذا العبء؟ يرى عمرو فتحي أن تحقيق التوازن بين الأدوار أصبح ضرورة ملحة، حيث يمكن للرجل أن يشارك بفاعلية في حياة الأسرة، بدلاً من التركيز فقط على تقديم الدعم المالي.
ارتفاع نسب الطلاق: الأسباب والحلول
تعكس الإحصائيات الحالية ارتفاعاً ملحوظاً في نسب الطلاق، وهو مؤشر خطير يعكس حالة التوتر النفسي والاجتماعي التي تمر بها الأسر. يعتبر الطلاق نتيجة حتمية عندما يُهمل الزوجان التواصل العاطفي والتفاهم. فالزواج ليس مجرد شكل اجتماعي، وإنما يحتاج إلى استثمار حقيقي في مشاعر الطرفين.
تتنوع أسباب الطلاق بين عوامل مالية، وضغوط اجتماعية، ونقص التفاهم، بل وتوقعات غير واقعية. ويرى الإعلامي عمرو فتحي أن غياب التواصل العاطفي، وضعف قدرة الشريكين على التفاهم، يؤديان إلى استنزاف الحب الذي يجمع بينهما، مما يُسهم في زيادة معدلات الطلاق.
ومن الحلول المقترحة، يرى فتحي ضرورة التركيز على مفهوم “الاستقرار النفسي” لكلا الطرفين، وإعادة التفكير في أهداف الزواج. كما ينبغي التركيز على بناء علاقة قائمة على الحوار وتقدير جهود كل طرف. فالحب الحقيقي والمودة الصادقة يظلان أساس الزواج، وهما ما يبقى، عندما تنتهي مظاهر الحياة المادية أو يتضاءل الإعجاب الظاهري.
تحديات إعادة بناء مؤسسة الزواج على أسس صحيحة
للعودة إلى “زواج المودة والرحمة”، يجب إعادة هيكلة مفهوم الأسرة ليتجاوز الشكل الاجتماعي التقليدي، ويصبح علاقة قائمة على التفاهم المشترك والاحترام المتبادل. يجب أن يُقدر الرجل ضغوط المرأة، وأن تكون هناك مشاركة حقيقية، حيث يمكن للزوجين أن يكونا سنداً لبعضهما البعض، لا أن يتحول الزواج إلى علاقة تحمل فيها المرأة أعباءً إضافية تؤدي إلى استنزاف طاقتها.
على المجتمع أيضاً أن يعيد النظر في توقعاته من الزواج. فلا يجب أن يُطلب من المرأة أن تكون “هانم” ومن الرجل “كرديت كارد”، بل ينبغي أن يُنظر للزواج كحياة مشتركة يبذل فيها الطرفان جهوداً متساوية لتحقيق السعادة والاستقرار. إن العائلة الناجحة هي التي تتخطى المصاعب سوياً، وتستند إلى مفاهيم التراحم والتعاون.
وختاماً لذلك زواج مبني على الحب والاحترام
يختتم الإعلامي عمرو فتحي رؤيته بأن نجاح الزواج يتطلب شجاعة في التعامل مع الضغوط، ورغبة مشتركة في التفاهم. على الرجل والمرأة معاً أن يضعا أسساً صحيحة، وألا يتوقفا عن العمل سوياً. إذا تمكن الزوجان من تحقيق هذا التوازن، فإن الزواج سيظل تجربة تستحق العيش، تتجاوز شكليات الحياة وقيود المجتمع، ويصبح رمزاً حقيقياً للمودة والرحمة، لا مجرد مظهر اجتماعي.