
حسين السمنودي
مثّلت مصر قلب العالم الإسلامي وقاعدةً صلبة في مواجهة الغزو الصليبي، خاصةً خلال فترة حكم الدولة الأيوبية بقيادة القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي. قبل معركة حطين عام 1187م، كانت مصر تعاني من تداعيات الحملات الصليبية السابقة ومحاولات السيطرة عليها، لكنها استطاعت تجاوز هذه التحديات بفضل جهود صلاح الدين، الذي عمل على توحيد مصر والشام تحت راية واحدة لمواجهة الخطر الصليبي.
صلاح الدين أدرك منذ البداية أن النصر لن يتحقق إلا بالوحدة والإعداد العسكري القوي. لذلك، قضى على الحكم الفاطمي في مصر وأعادها للخلافة العباسية، مما رسّخ قواعد الدولة السنية ودعمها سياسيًا وعسكريًا. كما عمل على بناء جيش قوي وتنظيم الموارد الاقتصادية من خلال تشجيع الزراعة والصناعة لتأمين الإمدادات اللازمة.
معركة حطين كانت نقطة التحول الرئيسية. بتخطيط استراتيجي محكم، نجح صلاح الدين في استدراج القوات الصليبية إلى ساحة معركة مفتوحة بعد أن قطع عنهم الإمدادات وسيطر على موارد المياه. كان لذكائه العسكري دور كبير في سحق الجيش الصليبي وأسر قادته، وهو ما فتح الطريق لتحرير القدس. النصر في حطين لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة سنوات من العمل الدؤوب لتوحيد الصفوف الإسلامية والاستعداد للحرب.
بعد حطين، اتجه صلاح الدين لتحرير القدس، حيث أحكم الحصار على المدينة ودعا سكانها للاستسلام. في أكتوبر 1187م، دخل المسلمون القدس في مشهد تاريخي مثير للإعجاب، حيث عامل صلاح الدين أهلها بإنسانية واحترام، عكس ما فعله الصليبيون عند احتلالهم للمدينة عام 1099م.
تحرير القدس لم يكن نهاية المطاف، بل بداية لتحديات جديدة. بعد تحرير المدينة، أصبحت مصر مستهدفة من الحملات الصليبية التي حاولت استعادة السيطرة على الأراضي المقدسة. لكن مصر استمرت في الصمود بفضل استقرارها الداخلي وقوتها العسكرية والاقتصادية، حيث أصبحت حائط الصد الرئيسي أمام أي تهديد صليبي.
انتصار المسلمين في حطين وتحرير القدس قدّم دروسًا عظيمة للتاريخ. كان من أبرز هذه الدروس أهمية الوحدة الإسلامية في مواجهة الأخطار المشتركة، ودور القيادة الحكيمة في تحقيق النصر، وأهمية التركيز على تقوية الاقتصاد والجيش كعامل حاسم في الحروب. كان تحرير القدس انتصارًا ليس فقط لمصر والشام، بل للأمة الإسلامية بأكملها، وأثبت أن الإصرار على تحقيق الأهداف المشتركة قادر على تجاوز أصعب العقبات وتحقيق المستحيل.