
عبدالرحيم عبدالباري
إنجاز طبي غير مسبوق: وحدة الإيكمو في قصر العيني تنقذ مريضة بعد 75 يومًا من العلاج المكثف
في ظل التطور المتسارع في المجال الطبي، يبرز الدور المحوري للمؤسسات العلاجية في تقديم خدمات متقدمة تضاهي المعايير العالمية، لم يكن إنقاذ حياة مريضة تعاني من فشل تنفسي حاد بعد الولادة سوى تأكيد على مدى قدرة مستشفى قصر العيني على إحداث فرق حقيقي في حياة المرضى، هذه القصة ليست مجرد نجاح طبي، بل ملحمة إنسانية تجسد التفاني والعمل الجماعي.
بدأت القصة عندما تعرضت مريضة شابة لمضاعفات خطيرة بعد الولادة، حيث أصيبت بالتهاب رئوي حاد تطور بسرعة إلى متلازمة الضائقة التنفسية الحادة (ARDS)، وهي من الحالات المهددة للحياة، مع تدهور حالتها، لم يعد التنفس الصناعي التقليدي كافيًا لإنقاذها، ما استدعى نقلها فورًا إلى وحدة الإيكمو بمستشفى قصر العيني، في محاولة أخيرة لمنحها فرصة للنجاة.
يُعد جهاز الإيكمو (ECMO) تقنية متقدمة لدعم الحياة، حيث يعمل على أكسجة الدم خارج الجسم عندما تفشل الرئتان أو القلب في أداء وظائفهما، استخدامه في مصر لا يزال محدودًا، إلا أن مستشفى قصر العيني نجح في تأسيس وحدة متخصصة منذ عام 2024، لتكون الأولى من نوعها في البلاد، وقد استقبلت هذه الوحدة 114 مريضًا حتى الآن، محققة معدل شفاء بلغ 72%، وهي نسبة تضاهي المعدلات العالمية.
منذ لحظة وصول المريضة إلى وحدة الإيكمو، بدأ فريق طبي متكامل في العمل على مدار الساعة لضمان استقرار حالتها. استلزمت حالتها مزيجًا معقدًا من الرعاية، بما في ذلك التنفس الصناعي المتطور، الغسيل الكلوي المستمر، والدعم الدوائي المكثف، ومع مرور الأيام، بدأ الأمل يتجدد، حيث استجابت المريضة تدريجيًا للعلاج.
عادةً، لا تتجاوز مدة بقاء المرضى على جهاز الإيكمو 14 إلى 21 يومًا، لكن حالة هذه المريضة استدعت بقائها عليه لمدة 43 يومًا، وهو ما يُعد إنجازًا طبيًا بحد ذاته، تمثل التحدي في إبقاء وظائف الجسم مستقرة خلال هذه الفترة الطويلة، دون التعرض لمضاعفات مثل النزيف أو العدوى، وهو ما تحقق بفضل التنسيق الدقيق بين مختلف التخصصات الطبية داخل المستشفى.
علق الدكتور حسام صلاح، عميد كلية طب قصر العيني، على هذا النجاح قائلاً:
“ما تحقق اليوم هو نتيجة سنوات من التطوير والتدريب المستمر. نعمل جاهدين على توفير بيئة طبية متقدمة تعتمد على أحدث التقنيات، وهذا النجاح ليس سوى بداية لمزيد من الإنجازات التي ستضع مصر على خريطة الطب العالمي.”
بعد فصل المريضة عن جهاز الإيكمو، كان أمامها تحدٍّ آخر: استعادة قدرتها على التنفس بشكل طبيعي والحركة بعد فترة طويلة من العناية المركزة، قاد فريق العلاج الطبيعي بقيادة الدكتورة إحسان ربيع برنامج إعادة تأهيل مكثف، شمل تمارين التنفس واستعادة وظائف العضلات، مما ساعد المريضة على الوقوف مجددًا والخروج من المستشفى بصحة جيدة.
لا يمكن تجاهل الدور المحوري لفريق التمريض، الذي قدم رعاية دقيقة للمريضة على مدار الساعة، من متابعة العلامات الحيوية إلى ضمان النظافة المستمرة والوقاية من التقرحات والعدوى، تقول المشرفة حنان إسماعيل:
“كل مريض في العناية المركزة يمثل مسؤولية كبيرة، لكن عندما ترى شخصًا يخرج من المستشفى بعد معركة طويلة، تدرك أن كل جهد بذلته كان يستحق العناء.”
نجاح وحدة الإيكمو في إنقاذ هذه الحالة يعكس تطور الرعاية الصحية في مصر. في السنوات الأخيرة، شهدت المستشفيات الجامعية توسعًا في استخدام التقنيات المتقدمة، ما يمهد الطريق لإنقاذ مزيد من المرضى الذين كانوا سابقًا بلا أمل.
لطالما كان مستشفى قصر العيني منارة للعلم والطب في مصر والعالم العربي، ونجاح وحدة الإيكمو هو دليل آخر على قدرته على المنافسة عالميا، يطمح المستشفى إلى التوسع في خدمات دعم الحياة، من خلال زيادة عدد الأجهزة وتدريب مزيد من الأطباء على هذه التقنية الحيوية.
ما تحقق في هذه الحالة لم يكن مجرد نجاح فردي، بل نتيجة تعاون بين أطباء الحالات الحرجة، أخصائيي العلاج الطبيعي، فرق التمريض، والمختبرات الطبية، يقول الدكتور أكرم عبد الباري، رئيس وحدة الحالات الحرجة:
“ما حدث هو ملحمة طبية وإنسانية استمرت 75 يومًا، سطّرها فريق متكامل عمل بإخلاص لإنقاذ حياة مريضة كادت أن تفقد الأمل.”
يعد إنقاذ هذه المريضة علامة فارقة في تاريخ الطب المصري، ورسالة أمل لكل من يواجه حالات حرجة مماثلة، إن التطور الطبي لا يقاس فقط بالأجهزة الحديثة، بل بالقدرة على استخدامها بمهارة وكفاءة لإنقاذ الأرواح، وما حدث في قصر العيني هو دليل على أن مصر قادرة على تحقيق إنجازات طبية تضاهي أفضل المستشفيات في العالم.