في عالم يزداد اضطرابًا يومًا بعد يوم، بين صراعات دولية متفاقمة وتحالفات تتبدل ومصالح تتصادم، تقف مصر بثبات، ممسكة بميزان الدبلوماسية من طرفيه، متجنبة الانحياز، ومتمسكة بمصالحها العليا، وسط مشهد دولي شديد التعقيد.
منذ توليه المسؤولية، حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن تنتهج مصر سياسة خارجية قائمة على الاحترام المتبادل، والاستقلال في القرار، والاتزان في المواقف. ولم يكن هذا مجرد شعار دبلوماسي، بل واقع تجسّد في كل موقف مصري تجاه الأحداث العالمية.
موقف متزن من الأزمة الأوكرانية
مع اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، اختارت مصر طريق الحياد الإيجابي، فلم تتورط في اصطفافات حادة، وفضلت الدعوة إلى الحوار ووقف التصعيد، مع الحفاظ على علاقاتها مع كافة الأطراف. كان هذا الموقف ضروريًا لحماية مصالح الدولة، خاصة فيما يتعلق بالأمن الغذائي والطاقة، دون التفريط في المبدأ أو التأثر بالضغوط الدولية.
القضية الفلسطينية: التزام تاريخي لا يتغير
لم تتأخر مصر يومًا عن نصرة القضية الفلسطينية، لكن ما شهدناه خلال العدوان المتكرر على غزة، خاصة في السنوات الأخيرة، أكد أن هذا الالتزام لا يزال حيًّا.
من فتح معبر رفح، واستقبال الجرحى، وتسيير قوافل الإغاثة، إلى التحركات السياسية الواسعة على كل المستويات الدولية… كانت مصر حاضرة، وموقفها واضحًا: لا سلام دون عدالة، ولا استقرار دون حل جذري للقضية الفلسطينية.
السودان في القلب
الأزمة السودانية التي انفجرت في قلب القارة، وجدت من مصر موقفًا ثابتًا قائمًا على دعم وحدة السودان وسلامة شعبه. ورغم تعقيدات الوضع، لم تسعَ مصر لتحقيق مكاسب آنية أو فرض نفوذ، بل استقبلت الفارين من نيران الحرب، وقدّمت لهم العون، وتحركت بهدوء لتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع.
سياسة خارجية متوازنة ومستقلة
في كل المحافل الدولية، من قمم المناخ إلى المنتديات الاقتصادية، ومن الزيارات الثنائية إلى التحالفات الإقليمية، ظل خطاب الرئيس السيسي يحمل نبرة ثابتة: مصر دولة ذات سيادة، تقيم علاقاتها على الاحترام، وترفض التدخل في شؤون الغير كما ترفض المساس بأمنها القومي.
في علاقاتها بالغرب، لم تتنازل عن ثوابتها، وفي علاقاتها مع الشرق، لم تتخلّ عن مصالحها. وبين هذا وذاك، ظلت القاهرة وجهة موثوقة، وصوتًا يُصغي له الجميع.
مصر في زمن الاضطراب: صوت العقل
ربما يكون أهم ما يميز الموقف المصري في عهد الرئيس السيسي، هو السعي الدائم للحل لا التصعيد، وللحوار لا المواجهة. في وقت يسهل فيه الانحياز وتعلو فيه لغة الحرب، تُفضّل مصر أن تكون نقطة التقاء، وجسرًا للتفاهم بين المتخاصمين.
ختامًا، لا يمكن فهم السياسة الخارجية المصرية إلا من خلال إدراك فلسفتها العميقة: حماية الداخل لا تكون إلا بتوازن الخارج. وفي زمن التغيرات السريعة، تظل مصر، كما كانت دائمًا، رقماً صعبًا، ودورًا لا يمكن تجاوزه.