
وُلد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة في عام الفيل (حوالي 570 ميلادية). يُعتبر هذا العام ذا أهمية كبيرة في التاريخ الإسلامي، حيث حاول أبرهة الحبشي هدم الكعبة، وقام الله بحمايتها بمعجزة تُعرف بقصة “أصحاب الفيل”. وُلد الرسول في هذا العام لأب يُدعى عبد الله وأم تُدعى آمنة بنت وهب، وكان لولادته إشارات ودلالات عظيمة، تُنذر بمستقبل مشرق لهذا المولود المبارك.
وعندما وُلد الرسول، توفي والده عبد الله قبل ولادته، مما جعله يتيم الأب منذ البداية. وحسب التقاليد العربية في ذلك الوقت، أُرسل إلى البادية ليعيش هناك ويتعلم الفصاحة والبلاغة ويكتسب القوة والصحة في جو نقي بعيد عن أمراض المدن. كان ذلك مع حليمة السعدية التي أرضعته وعاشت معه فترة من طفولته. يُروى أن وجوده في منزل حليمة جلب البركة والخير لها ولعائلتها.
وبعد أن بلغ سن الخامسة أو السادسة، عاد محمد إلى مكة ليعيش مع والدته. وبعد سنتين، توفيت والدته أثناء رحلة إلى المدينة المنورة لزيارة قبر والده، ليصبح يتيم الأم أيضاً. تولى جده عبد المطلب رعايته بعد وفاة والدته، وكان يحبه حباً شديداً. ولكن جده توفي أيضاً عندما كان محمد في الثامنة من عمره، فانتقل بعد ذلك إلى رعاية عمه أبو طالب.
وعاش محمد طفولته في مكة، التي كانت آنذاك مركزاً تجارياً وثقافياً هاماً. كانت مكة مشهورة بالكعبة، وهي مركز الحج للعرب قبل الإسلام. نشأ محمد في بيئة كانت تعج بالأطفال من نفس عمره، منهم من أصبح له شأن كبير في المستقبل كصاحبه أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان.
وكانت التقاليد في مكة تحث على تعلم مهارات الفروسية والرماية، وكان الأطفال يشاركون في هذه الأنشطة منذ سن مبكرة. بالإضافة إلى ذلك، كانت مكة مدينة تجارية، مما جعل الكثير من الأطفال يتعلمون التجارة والبيع والشراء من خلال مرافقتهم لآبائهم في رحلاتهم التجارية.
وعُرف عن محمد منذ صغره الصدق والأمانة، فكان يُلقب بـ”الصادق الأمين”. لم يكن يشارك في اللهو واللعب غير البريء كما كان يفعل بعض الأطفال، بل كان دائماً ما يظهر اهتماماً بمساعدة الآخرين والتصرف بحكمة ونضج يفوق سنه.
وكان الأطفال في مكة يلعبون ألعاباً بسيطة تتناسب مع البيئة الصحراوية والمجتمع القبلي. وكانت ألعابهم تعتمد غالباً على الفروسية، والرماية، وتسلق الجبال. لم تكن هناك مدارس نظامية كما نعرفها اليوم، بل كان التعليم يتم من خلال حلقات علمية في المسجد الحرام، ومن خلال تعلم القراءة والكتابة والأنساب من كبار السن.
وكان الأطفال في مكة يتعلمون منذ صغرهم قيمة العلاقات الاجتماعية والقبلية. فقد كانت القبائل تُعتبر وحدات اجتماعية أساسية، وتعليم الأطفال كيفية التعامل مع أفراد قبيلتهم والقبائل الأخرى كان جزءاً من تربيتهم. كانت مكة تضم تجمعات سكانية متنوعة، مما أتاح للأطفال فرصة للتعرف على ثقافات وعادات مختلفة.
وتعتبر طفولة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مثالاً يحتذى به في الصبر والتحمل والخلق الرفيع. لقد نشأ يتيماً ولكنه تغلب على مصاعب الحياة بفضل رعاية الله له ولطفه. تعلم من بيئته القيم النبيلة والأخلاق الحميدة، التي أصبحت فيما بعد جزءاً أساسياً من رسالته العظيمة. كانت مكة، بما فيها من تنوع ثقافي وديني، بيئةً مثالية لتشكيل شخصية النبي، التي قادت العالم إلى نور الإسلام ورسالته السمحة.