
يحكى أنه في قديم الزمان، نشأت قرية “أمياي”
اسمها وحده يحمل عبق التاريخ، وجذورًا ضاربة في عمق الأرض المصرية .
يقال إن “أمياي” كلمة مصرية قديمة، معناها “الأرض الخصبة” أو “الواحة التي تُروى”، وربما جاءت من وصفٍ لحقلٍ لم يجف، أو من نبعٍ لا ينضب .
ولعلها كانت، منذ آلاف السنين، موطنًا لفلاح بسيط، زرع القمح بيديه، وسقى الأرض بعرقه، ورفع عينيه للسماء يدعو بالخير لأهله .
ومن يومها، لم تكن أمياي مجرد قرية، بل حكاية
حكاية ناس طيبين… عاشوا في حضن الأرض، وبنوا من صبرهم حضارة .
ناس ما اكتفوش بالحلم، لكن عاشوه في الزرع، وفي الضحكة، وفي الولاد اللي كبروا على الجدعنة والنخوة .
فكنت في كل صباح، حين تخطو قدماي على تراب أمياي، أشعر أنني لا أمشي على أرض، بل على ذكريات، وأحلام، وأماني أناس طيبين، يحملون الهمّ بابتسامة، ويواجهون قسوة الحياة بأيدٍ لا تعرف اليأس .
أعرف كم من الألم يعتصر قلب أم فقدت طبيبًا قريبًا منها حين احتاجته، وكم من حسرة تسكن شابًا يقف في مفترق طرق يبحث عن فرصة تليق بكرامته، فلا يجد إلا طريق الانتظار الطويل .
أعرف كم يؤلمنا أن تمرض طفلة صغيرة، ولا تجد سريرًا في وحدة صحية تليق بأحلامها البريئة. أعرف كيف يتألم الفلاح حين يزرع الأرض بعرقه، ثم يحصد شقاءه دون أن يجد من يسمعه أو يسانده .
رأيت بعيوني الحقول التي تنتظر من يمد لها يد العون، والشوارع التي تصرخ كلما عبرت فوقها سيارة متهالكة .
في أمياي، لا تحلم الأسر بالكثير، بل فقط بمدرسة قريبة، ومركز شباب ينبض بالحياة، وموقف منظم يصون كرامة الراكب، ومدخل يليق بتاريخ القرية وتحضرها .
قريتنا الجميلة، التي علمتنا الشهامة والكرامة، تستحق أكثر. تستحق أن نبنيها معًا، لا بالكلام، بل بالفعل. تستحق أن نحمل همّها في قلوبنا قبل عقولنا، أن نستمع لهمسات شبابها قبل أن نستمع لصيحاتهم .
في كل طفل يركض حافي القدمين في شوارع أمياي، أرى مستقبلًا يستحق أن نصونه. في كل أمّ تقف على باب بيتها تدعو الله أن يحمي أبناءها، أسمع نداءً يملأ السماء كونوا معنا.. لا تتركونا وحدنا .
أنا واحد منكم، ابن هذا التراب. أشعر بكم دون أن تتحدثوا. وأحلم معكم دون أن تنطقوا.
أمياي.. لكِ العهد، ما دمت حيًا، أن أكون قلبك النابض بحبك، وصوتك الذي لا يخونك .