
عبدالرحيم عبدالباري
“في ضيافة الرحمن وتحت مظلة الرعاية: بعثة طبية مصرية تكتب فصلاً جديداً في خدمة حجاج بيت الله”
بين قدسية المناسك وعظمة المشهد، تتعاظم المسؤولية حين يتعلق الأمر بصحة آلاف الحجاج المصريين خلال موسم الحج، وهو ما تتولاه بعناية فائقة وزارة الصحة المصرية. وفي زيارة ميدانية حملت الطابع الإنساني والرقابي معًا، وصل الدكتور خالد عبدالغفار، وزير الصحة والسكان ونائب رئيس مجلس الوزراء، إلى الأراضي المقدسة، ليتابع بنفسه جهود البعثة الطبية المصرية. في هذا التقرير الصحفي، نرصد خفايا تلك الزيارة، ونحلل أبعادها التنظيمية والصحية، في مشهد يجمع بين الإيمان، والمسؤولية، والتفاني.
رعاية طبية في قلب المشاعر المقدسة
لم يكن حضور الدكتور خالد عبدالغفار في المدينة المنورة مجرد زيارة بروتوكولية، بل تجسيد حقيقي لمبدأ أن صحة الحجاج أمانة لا تقبل التأجيل أو التساهل. فور وصوله، عقد اجتماعًا مع الدكتور محمد مصطفى عبدالغفار، رئيس البعثة الطبية، مستعرضًا كافة التفاصيل الدقيقة حول الوضع الصحي للحجاج المصريين. من خطط التوزيع الجغرافي للعيادات، إلى الجاهزية الطبية في عرفة ومنى، كانت النقاشات حادة، دقيقة، وتحمل روح الالتزام الكامل لضمان سلامة كل حاج مصري يؤدي شعائره في أمان وطمأنينة.
أرقام تتكلم… وجهود لا تتوقف
بلغ عدد الخدمات الطبية المقدمة للحجاج المصريين أكثر من 32 ألف خدمة حتى لحظة إعداد التقرير، بينها ما يزيد عن 29 ألفًا في مكة وحدها. هذه الأرقام، التي تبدو مجرد إحصاءات على الورق، تعكس حجم الجهد الجبار الذي تبذله فرق البعثة الطبية في ظل الزحام، وارتفاع درجات الحرارة، والحركة المتواصلة للحجاج. ما بين تحويل الحالات للمستشفيات، وإجراء العمليات الجراحية، وتنظيم الجلسات العلاجية الحرجة، تبرز صورة مكتملة لمنظومة طبية لا تعرف النوم، تقف على أهبة الاستعداد على مدار الساعة.
زيارة إنسانية من الوزير… بين العناية والامتنان
في خطوة تحمل الكثير من الدلالات، حرص الدكتور خالد عبدالغفار على زيارة أحد الحجاج المصريين الذين يتلقون العلاج في المستشفى السعودي الألماني. لم تكن الزيارة استعراضية، بل جسدت عمق الاهتمام الفردي بالحالات، حيث اطمأن الوزير بنفسه على حالة الحاج، وتأكد من جودة الرعاية المقدمة له. كما وجّه الشكر للسلطات الصحية السعودية، مشيدًا بمستوى الخدمات التي تقدمها المستشفيات هناك، مما يعكس تنسيقًا إقليميًا عالي المستوى، يضع حياة الإنسان في صميم أولوياته.
رقابة صارمة… وعيادات لا تنام
حرص الوزير على تفقد إحدى العيادات الثلاث التابعة للبعثة في المدينة المنورة، وهو تفقد إداري وصحي في آنٍ واحد. من مراجعة أرصدة الأدوية والمستلزمات، إلى التأكد من انتظام جداول العمل، وتواجد الفرق الطبية بشكل متواصل، لم يترك الوزير تفصيلة دون مراجعة. كما استمع إلى الحجاج أنفسهم، الذين أعربوا عن رضاهم عن الخدمات المقدمة، ما يعكس فاعلية التنسيق الداخلي للبعثة، وحُسن اختيار الطواقم الطبية الموفدة، وكفاءة الإدارة الميدانية في التعامل مع تحديات الحج المتغيرة.
خلف الكواليس… تضحيات لا تُروى
في قلب فنادق مكة والمدينة، تعمل فرق طبية على مدار اليوم لتقديم الرعاية الصحية في مواقع سكن الحجاج. هذه الفرق لا تكتفي بالفحص والعلاج، بل تبادر أيضًا بتنظيم ندوات توعوية يومية، وصل عددها إلى 1362 ندوة، شارك فيها أكثر من 54 ألف حاج. موضوعات تلك الندوات تتراوح بين الوقاية من ضربات الشمس، وأهمية النظافة الشخصية، وطرق التعامل مع الأمراض المزمنة. هذه الجهود التوعوية تعدّ خط الدفاع الأول ضد المشاكل الصحية الجماعية التي قد تنشأ من الزحام أو الجهل بالإجراءات الوقائية.
التنسيق الطبي العابر للحدود
ما بين مصر والسعودية، سلكت البعثة الطبية خطًا منسقًا مع المستشفيات السعودية لتوفير رعاية متكاملة. 337 حالة نُقلت لتلقي العلاج المتقدم، بينها 14 عملية جراحية ناجحة، و5 جلسات غسيل كلوي، وتدخلات كيماوية دقيقة، دون أي مضاعفات تُذكر. هذه الحالات تثبت أن البعثة لا تكتفي بتقديم خدمات أساسية، بل تدير منظومة متكاملة قادرة على التدخل في أدق الحالات. وهو ما يعكس نضجًا طبيًا مصريًا، واحترامًا سعوديًا كبيرًا لضيوف الرحمن، وتكاملًا لوجستيًا نادر الحدوث.
رؤية مستقبلية وصورة مشرفة
زيارة الوزير ونتائجها تضع إطارًا لرؤية مستقبلية أكثر تطورًا في إدارة البعثات الطبية، ليس فقط على مستوى الحج، بل في كل المهمات الصحية الخارجية. فالتحديات البيئية والبشرية في موسم الحج تمثل اختبارًا حقيقيًا لأي منظومة صحية. ومع ذلك، اجتازت البعثة المصرية هذا الاختبار بكفاءة مشرفة، بل وتفوقت في تقديم نموذج متكامل للطب الوقائي والعلاجي. وهو ما يجب البناء عليه مستقبلًا بتوسيع نطاق التدريب، ورفع كفاءة الكوادر، وتطوير نظم الرصد والاستجابة السريعة.
في موسم تُغسل فيه الأرواح من الذنوب، حرصت وزارة الصحة المصرية على ألا تُترك الأجساد دون رعاية. وبين قلوب تخفق بالدعاء، وأيادٍ تمتد بالعلاج، تبرز صورة متكاملة لبعثة طبية وطنية تعمل في صمت، وتنجز في صخب الزحام. زيارة الوزير لم تكن فقط تفقدًا روتينيًا، بل رسالة واضحة: أن صحة الحاج المصري مسؤولية لا تهاون فيها. فبين جهود ميدانية وتنسيق إقليمي، كتبت البعثة الطبية فصلاً من فصول التميز المصري في خدمة ضيوف الرحمن.