
مع بداية كل عام دراسي جديد، تتسارع خطوات عدد من المحافظين وكبار المسؤولين نحو المدارس في جولات مفاجئة، حرصًا على متابعة سير العملية التعليمية منذ يومها الأول.
ولا شك أن هذا التوجه يمثل خطوة إيجابية تستحق الإشادة، خاصة حين يُنظر إليه بوصفه تأكيدًا على أهمية الرقابة الميدانية والخروج من المكاتب إلى أرض الواقع.
لكن في خضم هذه الزيارات، بدأ يطفو على السطح سؤال مهم:
هل ما نشهده اليوم هو تقييم للأداء بهدف التطوير؟
أم أنه تقويم ميداني هادف؟
أم أن بعض هذه الزيارات تحولت إلى أداة للتشهير وتوجيه العقوبة المعنوية لمديري المدارس والكادر التعليمي؟
التخطيط قبل الرقابة
في الوقت الذي نشيد فيه بخروج المسئولين إلى الميدان، يجب ألا نغفل عن ضرورة التخطيط الاستراتيجي المسبق، من خلال:
– إعداد خطة زمنية مدروسة للزيارات
– التنسيق مع الجهات المعنية لضمان فعالية المتابعة
– استمرار التقييم طوال العام، لا الاكتفاء بأسبوعه الأول
– التركيز على معالجة المشكلات وليس فقط توثيقها
الرقابة الفعلية تبدأ قبل انطلاق العام الدراسي، عبر دراسة الاحتياجات، وتحديد نقاط الضعف، وتوفير الإمكانات المتاحة، وليس فقط في تسجيل الملاحظات وتوزيع اللوم.
معوقات حقيقية تتطلب حلولًا
لا يمكن الحديث عن جودة تعليم دون الالتفات إلى الصعوبات اليومية التي تعترض طريق الطلاب والمعلمين، ومنها:
– تهالك الطرق المؤدية إلى بعض المدارس
– ضعف وسائل النقل العام
– قلة الرقابة في مواقف السيارات وبيئات المدارس
هنا يصبح من الضروري أن تتكامل جهود المحافظات والوزارات ذات الصلة، لتوفير بيئة تعليمية آمنة وميسرة تليق بأبنائنا وبمن يعلّمهم.
الحل يبدأ بالتعاون
إننا نثمن أي جهد حكومي يُبذل لسد العجز في الكوادر التعليمية، وندعو إلى المزيد من التعاون بين مؤسسات الدولة، عبر:
– الاستعانة بالكفاءات المتاحة بذكاء ومرونة
– تطوير آليات التعاقد المؤقت والدعم المساند
– تعزيز دور الإدارات التعليمية في التخطيط الميداني
وكل ذلك ضمن رؤية تقوم على التقييم أولًا، فالتقويم، وأخيرًا – إن لزم الأمر – المحاسبة.
نحو تعليم أفضل
أعتقد لكي نضمن تحسين التعليم فعلًا، نحتاج إلى المرور بثلاث مراحل رئيسة:
1. التقييم الواقعي: مبني على معايير موضوعية، لا انطباعات شخصية.
2. التقويم التوجيهي: دعم ومساندة وتدريب وتوجيه لجميع الأطراف (المدراء، المعلمون، الطلاب، أولياء الأمور، الإداريون).
3. التقويم العقابي: آخر مراحل الإصلاح، لمن لم يستجب للتطوير رغم التوجيه.
في الختام
ما نشهده اليوم من تحرك ميداني هو خطوة على الطريق الصحيح، إذا ما أُحسن توجيهه واستثماره. فالتعليم يُصلحه ويُطوره البناء، والثقة، والتخطيط المدروس، والتقويم المستمر.
دعونا نؤمن بأن الإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل، من داخل المدرسة والفصل، من داخل عقل المعلم وقلب الطالب، ومن داخل مسئول يرى في كل جولة فرصة لصناعة الأمل وبناء إنسان سوي.
مع وافر التقدير لكل يد تبني، وعقل يفكر، وقلب ينبض حبًا لهذا الوطن.