
حسين السمنودي
في حادثة تجسد تصاعد الصراعات السياسية داخل الساحات الرياضية، شهدت مباراة جمعت بين فريق إسرائيلي وفريق هولندي أعمال شغب وفوضى أثارت استياء واسعاً داخل المجتمع الهولندي والأوروبي. لم تكن المباراة مجرد حدث رياضي عابر، بل تحولت إلى ساحة لصدامات سياسية تخللتها مظاهر عنف وإهانات متعمدة، إذ عمدت الجماهير الإسرائيلية إلى تمزيق الأعلام الفلسطينية، وترديد شعارات عنصرية ضد الفلسطينيين، كل هذا وسط حضور شخصيات من الموساد الذين لعبوا دورًا في توجيه الحشود نحو إثارة التوتر.
تتجاوز هذه الممارسات حدود التصرفات العفوية للمشجعين، لتصبح جزءًا من خطة مدبرة تهدف إلى تشويه المواقف المتضامنة مع غزة وتحويل الأنظار عن الجرائم الإنسانية الجارية هناك. فعندما يتحول العلم الفلسطيني، رمز النضال من أجل الحرية، إلى هدف للعنف والتمزيق، وتُرفع شعارات تُعادي حقوق الفلسطينيين، يتضح حجم الرسائل السياسية التي تسعى إسرائيل لإيصالها عبر استخدام جمهورها المتطرف في إثارة الأزمات.
والمقلق في هذه الواقعة هو وجود عناصر من الموساد بين الجماهير، مما يشير إلى تنظيم متعمد لتوجيه الشغب نحو رسائل سياسية مدفوعة الأهداف. ولم يكن الهدف مقتصرًا على استفزاز المشجعين الهولنديين فحسب، بل إحداث ضجة إعلامية كوسيلة لصرف الأنظار عما يحدث في غزة من تصعيد عسكري يعاني منه الفلسطينيون يوميًا، في محاولة لخلق عدوٍ مشترك وتهدئة الرأي العام الدولي المتعاطف مع معاناة أهل غزة.
تصرفات غير مسئولة
كانت الممارسات التي أقدمت عليها الجماهير الإسرائيلية تجسيداً للسياسات العدائية التي لا تتوقف عند الأراضي الفلسطينية، بل تنتقل إلى المجتمعات الأوروبية أيضًا. فقامت الجماهير بترديد شعارات تحريضية تنضح بالكراهية، مثل “الموت للفلسطينيين” و”لا مكان للعلم الفلسطيني هنا”، بل ووصل الأمر إلى الاشتباك مع مشجعين هولنديين ممن أبدوا رفضهم لهذه التصرفات العنصرية، مما أضاف مزيدًا من الفوضى والاضطراب إلى الأجواء.
ولم تكتفِ الجماهير الإسرائيلية بذلك، بل استغلت المباراة كمنصة لنشر لافتات استفزازية وتصريحات تتحدى القوانين الأوروبية التي تحظر مثل هذه الممارسات التحريضية داخل الساحات الرياضية. وقد أثار هذا سخطًا كبيرًا لدى مشجعي الفريق الهولندي، الذين اعتادوا على روح التسامح والانفتاح التي تتميز بها مجتمعاتهم، ووجدوا في هذه التصرفات اعتداءً على قيمهم.
تأثير هذه الممارسات على المشهد الدولي
لم تكن هذه التصرفات سوى وسيلة إضافية من إسرائيل للتغطية على ممارساتها في غزة؛ إذ تسعى عبر هذه الأحداث إلى تشويه صورة الفلسطينيين وتحوير صورة النضال ضد الاحتلال أمام المجتمع الدولي. إن الساحة الرياضية، التي يُفترض أن تكون منبرًا للوحدة والسلام، تحولت إلى ساحة للتحريض والكراهية، مما يعكس السياسة الإسرائيلية التي لا تتردد في توظيف أي فرصة لإظهار خصومها بشكل سلبي.
وتواجه إسرائيل في الوقت الحالي ضغوطًا دولية متزايدة بسبب عملياتها العسكرية ضد المدنيين في غزة، ولذا فإن أحداث العنف التي افتعلتها جماهيرها في هولندا تهدف إلى توجيه النقاش الدولي نحو قضايا مفتعلة تخدم سياساتها وتغطي على جرائمها في فلسطين. ومن خلال تأجيج المشاعر العدائية ونقل التوترات إلى أوروبا، تسعى إسرائيل إلى استقطاب الانتباه وتخفيف الضغط الدولي المتصاعد بشأن أفعالها في غزة.
موقف السلطات الهولندية والعواقب المتوقعة
أمام هذه الأحداث، وجدت السلطات الهولندية نفسها في موقف حرج؛ فالتعامل مع هذه التصرفات العنيفة داخل ملعب كرة القدم لم يكن بالأمر الهين. ورغم أن الشرطة الهولندية حاولت التدخل لضبط الأوضاع، إلا أن حجم الشغب وتأثيره كان أعمق من أن يُسيطر عليه بسرعة، مما تسبب في توتر واسع بين الجماهير المحلية، إذ يرون أن تلك الممارسات الغريبة على المجتمع الهولندي تهدد قيمهم وقوانينهم، وتجلب النزاعات السياسية إلى داخل البلاد.
من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة تحركات قانونية ضد الجماهير الإسرائيلية المتورطة في هذه الأحداث، في محاولة لمنع تكرار مثل هذه الممارسات وإرسال رسالة واضحة بأن استغلال الرياضة للتحريض لن يُقبل في الملاعب الأوروبية. فالرياضة التي تهدف إلى نشر السلام والتسامح بين الشعوب يجب أن تظل محصنة ضد الاستغلال السياسي.
في الختام
تعد هذه الأحداث مثالاً صارخًا على كيفية استغلال إسرائيل للأحداث الرياضية لصالح أجنداتها السياسية، ومحاولة التأثير على الرأي العام الدولي عبر تصدير أزماتها السياسية. وتظل غزة تتعرض لهجمات مستمرة، ويواصل الفلسطينيون معاناتهم، فيما يحاول الاحتلال تحويل الانتباه عبر نشر العداء في أماكن بعيدة عن الصراع المباشر.