
عبدالرحيم عبدالباري
بين جدران المستشفيات تبدأ معارك صامتة لا يسمعها سوى من يئن تحت وطأة المرض، أو ينتظر قرار علاج لا يأتي. لكن حين تتحول توجيهات الدولة إلى فعل عاجل، وتتبدل حلقات البيروقراطية إلى خطوات فاعلة، يظهر وجه آخر للرعاية الصحية. وفي اجتماع رفيع المستوى بمستشفى “جوستاف روسي”، بدأت وزارة الصحة صفحة جديدة من التطوير والإصلاح، بقيادة نائب الوزير الدكتور محمد الطيب، لوضع أسس خريطة علاجية أكثر عدالة وسرعة. فماذا حدث؟ وما الرسائل الخفية في تفاصيل اللقاء؟
من التوجيه إلى التنفيذ… تحرك عاجل بقيادة الطيب
بناءً على تعليمات مباشرة من الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة، تحركت القيادات التنفيذية لعقد اجتماع موسع داخل أروقة مستشفى جوستاف روسي، التي تسلمت إدارتها حديثًا بعد انتقال التشغيل من “هرمل”. قاد الدكتور محمد الطيب دفة الحوار، وسط حضور ثقيل الوزن من قيادات العلاج والتأمين الصحي والمجالس الطبية. الهدف كان واضحًا: إزالة كل الحواجز التي تعيق المريض عن حقه في العلاج، وتحويل المستشفى إلى نموذج متكامل للرعاية السريعة والجيدة.
الملفات الشائكة على طاولة النقاش
جاء الاجتماع مثقلًا بملفات فنية وإدارية تحتاج إلى حسم سريع، وعلى رأسها ضعف الربط بين المستشفى ومنظومة التأمين الصحي، وتعطّل تنفيذ قرارات العلاج. استعرض المجتمعون التحديات التي صاحبت الإدارة السابقة، من تأخير الإجراءات إلى غياب التنسيق بين الهيئات، وانتهى الحوار إلى قرارات جادة، منها إنشاء مكاتب دائمة لهيئة التأمين والمجالس الطبية داخل المستشفى، لتسريع إصدار قرارات العلاج دون الحاجة إلى الرجوع للجهات الخارجية، ولإنهاء معاناة المرضى مع الدوّامة الورقية المتكررة.
جولة إنسانية تكشف وجع المرضى
لم يكن الاجتماع هو الحدث الوحيد، بل جاء الأهم حين نزل الدكتور محمد الطيب إلى أرض الواقع، بجولة داخل المستشفى قابل خلالها المرضى وجهاً لوجه. استمع إلى شكاواهم، وتفهم معاناتهم مع تأخير الإجراءات، ونقص المعلومات، وبعض العوائق الفنية. لكنه لم يكتفِ بالاستماع، بل وجّه باتخاذ قرارات فورية لتصحيح المسار. وتجلّت أبرز تعليماته في تطبيق نظام “الشباك الواحد”، لتسهيل كل الخطوات الإدارية التي كانت تستهلك وقتًا وجهدًا، وتسبب إحباطًا لمئات المرضى.
“جوستاف روسي” بين الماضي والمستقبل
خلال السنوات الماضية، حمل مستشفى جوستاف روسي بين جدرانه الكثير من الوعود غير المكتملة. كانت الإدارة السابقة تمارس مهامها دون فعالية واضحة في بعض النواحي الحيوية، مما أدى إلى تراكم شكاوى المرضى، وتأخر العلاج في العديد من الحالات. لكن المشهد الآن يتغير، بفضل التوجه السياسي الداعم، وقرار تسليم الإدارة إلى فريق جديد لديه من الكفاءة والرؤية ما يؤهله لصياغة مرحلة مختلفة، تتجاوز فكرة تقديم الخدمة إلى بناء ثقة المواطن في المنظومة الصحية.
تأمين صحي أكثر قربًا… وعلاج على نفقة الدولة بلا تأخير
كان من أبرز مخرجات الاجتماع هو التأكيد على دمج آليات هيئة التأمين الصحي والمجالس الطبية داخل بنية المستشفى نفسها. وهذا القرار يعني أن المريض لن يُجبر بعد الآن على التنقل بين الجهات للحصول على حقه في العلاج. سواء كان خاضعًا للتأمين الصحي أو لمنظومة العلاج على نفقة الدولة، فإن القرار سيتخذ من داخل المستشفى نفسه، مما يوفر الوقت، ويقلل من احتمالات الرفض أو التأخير، ويضمن للمرضى حلاً سريعًا ومباشرًا، دون المرور بعقبات إدارية منهكة.
رؤية تتجاوز اللحظة… ووعود قابلة للتحقق
اجتماع اليوم ليس مجرد استجابة آنية لتعليمات مركزية، بل هو بداية لتغيير حقيقي في فلسفة إدارة المستشفيات المتخصصة في مصر. الرسالة واضحة: الدولة تتابع، والوزير يوجه، ونائبه ينفّذ، والنتيجة هي تحسين جودة حياة المريض. بهذا التوجه، تصبح المستشفيات الحكومية ليس فقط أماكن لتلقي العلاج، بل مؤسسات تُدار باحتراف، وتحترم وقت المواطن، وتضع احتياجاته فوق أي اعتبارات بيروقراطية. إنها خطوة نحو منظومة صحية لا تترك أحدًا خلفها.
ما جرى في مستشفى جوستاف روسي ليس مجرد اجتماع روتيني، بل إعلان عن بداية جديدة في رحلة إصلاح قطاع الصحة في مصر. حين يجتمع القرار السياسي مع الفعل التنفيذي، لا تبقى المعاناة مجرد أرقام في التقارير، بل تتحول إلى حكايات شفاء وفرص جديدة في الحياة. وإذا استمرت هذه الوتيرة، فقد نشهد قريبًا ثورة صامتة في مستشفيات مصر، تقودها قيادات واعية، وتستجيب لهموم الناس، وتؤمن بأن العلاج ليس خدمة… بل حق لا يحتمل التأجيل.