
تتفاقم الكارثة في غزة لتتجاوز كل تصور، بينما يُقبل عيد الأضحى المبارك، مناسبة مقدسة لملياري مسلم، تزداد معها مرارة العجز أمام مشاهد الإبادة والتجويع، ولكن، من قلب أوروبا، ترتفع أصوات لم تعد تقبل الصمت، بريطانيا تهدد، وبلجيكا تكسر حاجز الصمت، ويتبعها نداءات من فرنسا وألمانيا وغيرها من القارة العجوز، والسؤال المرير الذي يتردد صداه في قلوب شعوب العالم بأسره، خاصة ملياري مسلم: هل تهتم الأنظمة العربية والإسلامية برغبة شعوبهم الغاضبة ويخرجون بموقف موحد يليق بكرامة الأمة، قبل أن تكمل فرحة العيد حسرة؟.
صوت لندن: تحذير يتجاوز الدبلوماسية
لقد عبر رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، عن موقف واضح ومتقدم، مؤكداً أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة “تتدهور يوماً بعد آخر” و”غير مقبولة”، وصف ستارمر الوضع بـ”اللا يُطاق”، وشدد على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات بكميات كافية وسريعة، وهو ما لا يحدث حالياً، وهذا التصريح، الذي يعكس ضغطاً متزايداً من حكومة تُعتبر حليفاً تقليدياً لإسرائيل، هو دعوة صريحة للعمل الدبلوماسي العاجل، ويؤكد تزايد الاستياء الدولي من تداعيات الحرب الكارثية.
صحوة أوروبية: حين يسبق الضمير السياسة
بلجيكا لم تكتفِ بالتهديد، بل تدخلت بوضوح عبر وزير خارجيتها، ماكسيم بريفو، الذي أدان تهجير وانتهاكات غزة، مؤكداً أنها تجاوزت كل الخطوط، ورفض تبرير العمليات بـ”الدفاع المشروع عن النفس” أو استخدام تهم “معاداة السامية”، وهذا الموقف البلجيكي الذي كسر الصمت، سبقه تحركات من فرنسا، ألمانيا، الدنمارك، إسبانيا، أيرلندا، وسلوفاكيا، تعكس صحوة ضمير أوروبية متنامية، والدول، التي لم تكن سباقة دائماً في مواجهة إسرائيل، أدركت اليوم أن الاستمرار في التجويع والقتل هو وصمة عار لا يمكن السكوت عنها.
فخ المساعدات: مجازر تُعرّي نوايا الاحتلال
بينما تتصاعد الأصوات الأوروبية، تتوالى المجازر الإسرائيلية قرب مراكز توزيع المساعدات، مما أسفر عن استشهاد عشرات الفلسطينيين،
وهذا ما حذرنا منه: أن “المساعدات” أصبحت فخاً مميتاً يُستخدم غطاءً لمواصلة الإبادة والتجويع، في تناقض صارخ مع دعوات الإغاثة، وفي المقابل، ترحب حماس بجهود التفاوض لوقف إطلاق النار والانسحاب الكامل، بينما الاحتلال يهدم مركز “نورة الكعبي” للغسيل الكلوي وتتواصل اقتحامات الضفة والأقصى، وهذه الأعمال تكشف النوايا الخبيثة لرفض أي حلول حقيقية، واستغلال كل فرصة للإمعان في جرائمه.
ضغطٌ لا يكتمل: رهانٌ على الموقف العربي
على الرغم من التهديدات الأوروبية المتوالية والضغوط الدبلوماسية المتصاعدة، فإن هذه الجهود لم تنجح حتى الآن في إيقاف آلة الحرب الإسرائيلية، ويكمن مفتاح نجاح هذه التهديدات والضغوط في موقف عربي وإسلامي جاد وموحد، وإن غياب هذا الموقف الموحد يضعف أي تحرك دولي، ويمنح حكومة نتنياهو المتطرفة الفرصة لتجاهل كل التحذيرات والشجب، وسفينة أسطول الحرية “مادلين” تبحر نحو غزة، في دليل على أن الشعوب تسبق الأنظمة في كسر الحصار ودخول المساعدات، فهل يترجم العرب هذا الغضب الشعبي إلى قوة ضغط لا تُقهر؟.
نداء الشعوب: هل تستعيد الأمة كرامتها قبل العيد؟
الشعوب العربية والإسلامية تنتظر بفارغ الصبر موقفاً موحداً يليق بملياري مسلم قبل عيد الأضحى، لتكتمل فرحتهم بالعيد، وسؤالٌ يطرح نفسه بقوة: هل تهتم الدول العربية برغبات شعوبها الغاضبة وتخرج بموقف يفرح الأمة، ويعيد لها كرامتها التي سُلبت منها بسبب استمرار الصمت والاكتفاء بالتنديدات والشجب التي لا تلقي لها بال حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة؟ إن استمرار التجويع والإبادة في غزة هو إهانة لا تُنسى لكل ضمير حي، والعالم ينتظر أفعالاً لا أقوالاً.
وأختتم مقالي والأمل لا يزال ينبض في صدري وأقول: إن المأساة في غزة تتجاوز حدود الكلمات، لتصبح شهادة على عجز عالمي وتواطؤ صامت، بينما يرفع الضمير الأوروبي صوته، ويحذر العالم بأسره من كارثة لا تُطاق، فإن الأمة العربية والإسلامية أمام اختبار تاريخي فاصل، ولم يعد هناك متسع لـ “الانتظار” أو “تكثيف الجهود” فقط، آن الأوان لموقف عربي وإسلامي موحد، يترجم غضب الشعوب إلى قرارات حاسمة، يفرض وقفا فوريا للإبادة، ويحفظ كرامة أمة تستحق العدل، إن التاريخ يرقب، والضمائر لا تنام، وغزة تنتظر منا ما هو أكبر بكثير من أي تهديد أو تنديد؛ تنتظر فعلاً يُنهي معاناتها ويُعيد لها الحياة.